spot_img

ذات صلة

جمع

قرار جديد من مجلس شورى الدولة لصالح بلدية بشري.

صدر عن بلدية بشري البيان التالي : بعد أن تقدمنا...

حملة فحص اسنان مجانية لتلاميذ المدارس الرسمية

تحت عنوان "صحتك خط أحمر"، وضمن الندوات الطبية التي...

شكر وتقدير الى العاملين في مركز جرف الثلوج في الأرز

التقت النائب ستريدا جعجع في معراب رئيس مركز جرف...

” صحتك خط أحمر “

القوات اللبنانية مركز بشري وبالتعاون مع مستشفى بشري الحكومي...

                                        الاستاذ وهيب كيروز

                    باحث ومفكر ، يلازم جبران يوميا ً في متحفه منذ أربعة قرون ،

                      يعتبر أن جوار الارز وضفاف وادي قاديشا موطنا ً للالهام ، 

    يطالب صديقه الحكيم أن يبدأ بثورة الثقافة ،لانهم في لبنان لا يعملون   

    للفكرالذي يجعل من الانسان اللبناني صاحب قضية .

رجل معدنه مميز، تضج ّ حواسه ومشاعره بكل ألوان الجمال وسمو الروح. مثقف، زادته العلوم والمعارف تواضعا ًوأنسنة –  ورجال الثقافة يكونون من نوع خاص- لا تكتمل زيارة المتحف، دون لقاء وهيب كيروز. الحوار معه ممتع جدا ً، ينسيك الوقت، ويأخذك الى عالم تتمنى أن تبقى فيه باستمرار. خائف على بلدته بشري، لانها تمر ّ في مرحلة مخاض عسير. يقول عن صديقه الحكيم ، انه لولا أحداث لبنان ومشاغله فيها، لكان أتى بأشياء أهم مما يأتي به اليوم. يطالبه أن يحاول كل ما يستطيع، ويبدأ بثورة الثقافة، لان الجامعة في لبنان، تعلم المنهج، ولا تثقف، وبرامجنا لا تجعلنا بشراً أصحاب قضية. متألم من واقعه، وبحسب برأيه، كل شيء بات يحتاج الى تغيير.    

  – أربعة عقود مرّت على وجودك في متحف جبران ك”حافظ للمتحف “، الا تعتبر انك اصبحت “حافظا لفكر جبران وفن” بعد هذا العدد من المؤلفات المتخصصة به؟

– ان يُطلق عليّ “حافظ فن جبران وفكره” ، يجب التدقيق بكلمة “حافظ” ، اذا كان يقصد به هو البحث في مخطوطاته ، وتأمل دقيق بلوحاته، وعالمه بشكل عام. في كل حال لا استحق ان اكون حافظاً لهكذا إرث، قد يكون نادراً بين الكثير مما خلفه مفكروا العالم الكبار، لا لانني لا استطيع ان أعمل شيئاً ،لا،عملت الكثير، ولكن هذا الارث يشعرك في مهابته وعـُمقه وأبعاده، انك انت دائماً في بدايته. إنه عميق عمقاً بعيداً، وعال علواً متفرداً، وشامل شمولاً قد يستعصي على كبار المثقفين أن يـُحصوه . لذا، ضمن هذا المنطق، استحق ان ادخل هذا العالم، ولا استحق ان اكون حافظه.

  • اذاً ، بعد اربعين سنة من عملك المتخصص بجبران ما زلت في البداية ؟      
  • ويجب ان أبقى في البداية، لأنني في هذه المسألة، عندما يكون المفكر كجبران مثلاً ، اوكالاب تياردو شاردان، او كالشاعر سعيد عقل، اوكالشاعر بول فاليري او كهوميروس، أو كهؤلاء النخبة في الحياة، عندما تكون عوالمهم هكذا، اكبر باحث يخجل من ان يقول انه دخل أعماقهم وعرفها وأمسوا شيئاً معقولاً، اي مفهوماً ومصطلحاً عليه، هذا من الادعاء،  هذا ليس من الصواب، لماذا؟ لان عوالمهم لا تنتهي، خصوصاً جبران بمخيلته. ومن قرأ جبران بدقة ، كما فعلت في فصل كبير من كتابي “عالم جبران الفكري “، عن القوى النفسية والقوى الخلاقة عنده، عند من يتوقف خصوصاً على مخيلته، لا بدّ من ان يجد نفسه مقصراً عن الالتحاق بجبران. واقول لك كلمة منه، في مقال تحليلي نشر في المجموعة التي انتزعناها من مخطوطاته ونشر في كتاب ” إقلب الصفحة يا فتى “، يقول عن الخيال والعقل : ” الخيال يحملك الى أبعاد لا تستطيع ان تدركها، تشعر بوجودها، ولكنك لا تعرفها، تبقى غامضة عليك، فهناك حقائق بعطيك إياها الخيال، ولكنك لا تستطيع ان تفهمها. اما العقل فيكرّرما اعطاك اياه الخيال “. لذا، في كتاب لي عن الصفائية التي تحلٌ محل الصوفية ( هو لا يزال مخطوطاً )، قارنت بين عقل جبران، وعقل ميخائيل نعيمه، وخيال كلٌ منهما، فوجدت ان العقل عند ميخائيل نعيمه يهيمن على الخيال، والخيال يساعد عقله. اما عند جبران فوجدت ان الخيال هو المسلطن، لذا هو رؤيوي،  ولا يجوز اطلاق كلمة رؤيوي إلا على القلة من المفكرين الذين يقربون او يبعدون عن جبران في عوالمهم، لا خلاف في الامر، ولكن يجب ان يكونوا في هذه النقطة، عندهم الرؤيا التي تشابه الرؤيا الجبرانية في عوالمهم الخاصة بهم. لذا، خيال جبران هو الذي يُلهم عقله، بينما عند نعيمه عقله هو الذي يفتش عن شيء من الرؤيا والرمز.
  • ألهذا السبب جبران غزير في الكتابة ؟
  • صحيح، لهذا السبب لديه غزارة في الكتابة، العقل يكتب كثيراً، الخيال لا يكتب يُبدع، وهذا اعتبره مدخلاً الى رموز جبران وهو يطبق في لوحاته الشكلانية الكلاسيكية، كيف ؟ كيف يجمع  هذا الرجلٍ بين الشكلانية الكلاسيكية والرمزية ؟ هذه مفارقة من مفارقات جبران خليل جبران التي يتميّز بها .
  • هل توصلت الى الاحاطة بعالم جبران بكل أبعاده ؟
  • وتطلب مني ان اقول لك بأنني وصلت إاليه نهائياً ؟ الرمز، من كبار الذين فلسفوه، ولغاية الصغار الذين يتعاطون معه، الرمز، يتسم دائماً بطابع اللانهائي. الرمز، يحملك الى النماذج الاولى التي تكوٌن عالمك النفسي، هذا العالم النفسي يبقى دائماً مستعصياً. وانت من هنا تعرف لماذا كثرة هذه المدارس السيكولوجية والتحليلية النفسية. لو كان الامر محلولاً، لما كان هناك من داع لوجودها بكثرة وغزارة. اما وان العوامل النفسية لا تنتهي، فهذا يعني ان الرموز لا تنتهي، وانا لا أدعي بأنني وصلت الى آخر هذه الرموز في جبران. أنا حاولت ان أضيء وبشكل جيٌد ولائق على طبيعة هذه الرموز، وما استطعت ان ادخل فيه دخلت، ولكن هل أجرؤ بان أقول انني بلغت نهايته ؟ هذا من الادعاء والكبرياء ، لا تساعدني اخلاقي بأن أقول هذا.
  • اذاً هناك أمور لم تصلها بعد ؟
  • هناك في طبيعة هذه الرموز أشياء هي بحد ذاتها لا نهائية. أنا نهائي، بعقلي انا نهائي، انا باحث، قد أشعر مشاعر أبعد من جبران، وقد أتخيل اشياء أبعد مما تخيلها، ولكن انا ذاتي لا استطيع أن أعرف اللانهائيات في مشاعري واللانهائيات في تخيلاتي . فكيف تطلب مني أن أعرف اللانهائيات في مشاعر جبران أو مخيلته ؟. اقول لك هذا عن خبرة، خلال الثلاثين أو الاربع وثلاثين سنة التي درسّت فيها في عدة مدارس في لبنان، من حدث بيروت الى بشري. انا درسّت ثلاثة برامج وضعتها الدولة اللبنانية، ودرسّت في هذه المدة ما لا يقل عن اثنين وثمانين شخصية فكرية من مختلف الحضارات وجهات الارض، فلم أجد رجلاً يحمل خيالا كخيال جبران، وهنا قوته، وفرادته. وأقولها من جديد، لا تسمح لي نفسي بان أقول إنني وصلت الى آخرها .
  • اذا ، شخصية جبران الفريدة هي التي نادتك للدخول الى عالمها ؟
  • ليست عملية نداء، انا احاول أن أتقصّى الاشياء حتى لا أكون دخيلا على هذا الامر. واقول لك عن جبران هذا، فأنا لا اكون محاولاً ان أقدّم مديحاً لجبران. هناك رموز لا تنتهي على الاطلاق، ويحب كلُ من الناس ان ينسبها الى فئة او شيعة او بدعة او فرقة او الى ما هنالك. ولكن اكثر شخص ارتحت اليه في محاولة فهم رموز جبران ، يدعى بول ديال في كتابه “رموز النفس”. جبران ينطبق عليه الكثير مما قاله هذا الكاتب، ولا تسل كم إقتنيت من المعاجم التي تدرس هذه الرموز، حتى استطيع ان أدخل في لوحات جبران، وهذا ساعدنا كثيراً، لان نبدأ بعهد جديد للدراسات الجبرانية. مثلاً للمرة الاولى في كتابي “عالم جبران الفكري”، يدرس فكر جبران من خلال اللوحة، ومن خلال كتاباته. وهنا، ما حملني على هذا، واعتذر عن الكلام ، سخافة الكثيرين من البحاثة. أن يسألني على الهاتف أحدهم : “هل جبران الرسام يناقض جبران الكاتب” ؟، لذا، افهم مباشرة انهم لم يستطيعوا الدخول في مخيلته، وابداعاته التخيٌلية، ورموزه وأبعادها  ولانهائياتها. لم يدخلوا، ولن يستطيعوا الدخول اليه. أنا أقرٌ واعترف، أن أحداً من أبناء بلدتي بالذات، يدعى الدكتور بولس العاصي طوق، حاول الدخول في هذا الأمر، وأهنئه عليه، هو من المساهمين الكبار في فهم هذه اللانهائية إن في الرمز ، او في خالق الرموز الجبرانية، وهو مخيٌلة جبران. من هنا، حاولنا ان نحدث تغييراً في النظرة الى جبران، مثلاً ، اللوحة الجبرانية التي كانت مرميٌة ومهملة، وهذا ما يثير الالم والغضب  اما اليوم فأمست اللوحة موضوعاً راقصاً على خشبة المسرح، والناس يأتون ويهنئونك، لماذا ؟ لأننا استطعنا ان نقرأ حركة اللوحة، وفهم نسبي لمضمونها فتحوٌلت الى فكرة، والحركة تحوٌلت الى رقصة، وهكذا رُقصت لوحة جبران على المسرح، وهذا هو جديد. يجب البدء بهذا التحوّل، ويجب إغناءه، وهذا أمر ضروري. اذا، أن اقول إنني لم أفهم هذا غلط ، وان اقول إنني بلغت النهاية، كذلك الامر هوغلط ، انا دائماً على الطريق.                               – أية ناحية من جبران أثرت فيك ؟
  • كنت في التاسعة او العاشرة من عمري في بيتنا الفقير اكتب فرض تركيب الجمل بالفرنسية،  وكان أخي نايف فهد كيروز ذا صوت جميل، وعنده حسٌ دقيق بالنصوص التي يقرأها، وكان يلقي النصوص إلقاء ً شعريا ً حلوا ً. بدأ أخي يتمشى في الغرفة ويقول : ” مات أهلي وأنا قيد الحياة، أندب أهلي في وحدتي وإنفرادي ….”. وتابع، من تلقاء ذاتي، لم أكن أفهم شيئاً، تركت القلم والدفتر، وبكيت لماذا؟ لا أعرف . ولكن هذه الحادثة التي حصلت في حياتي، جعلتني دائم التساؤل، لماذا هذا الرجل جعلني أدمع ؟. الفكرة الكبرى، وهي تكمـّل ما قلته عن نهائية تخيٌل جبران، بعد دراساتي الفلسفية في التطوّرية، وفي فلسفة جبران وفكره والى ما هنالك …، عرفت ان من يأخذون بال “داروينية” – نسبة الى دارون – هم لا محال واقعون في الدهرية، أي في الالحادية. لا وجود لله فيهم. قرأت كثيراً عند الاب تيار دو شاردان، وقفت على محاولاته الجريئة والعميقة، والتي تكسٌر الرأس، ليجمع بين التصاعدية نحو الاوميغا، والمادة والتطٌور. جبران لم يلتق في حياته بالاب بيار تياردو شاردان، انما انقل ما قالت له ماري هاسكل بعدما أصبحت قادرة على قراءة لوحاته، قالت له بالحرف : ” اذا كان داروين قد وضع التطورية، وهي اليوم الفكر الذي يجب ان يستند اليه كل فكر يريد ان يرقى، فانك انت وحدك يا جبران “روحنة التطورية “. عندما نتحدث عند جبران عن “روحنة المادة “، فإن ألابعاد عنده مرٌة أخرى تصبح لانهائية على الاطلاق، طالما هناك لعبة الروح في المادة. في هذا المنحى أثـّر فيّ جبران، ولكن كنت مستعداً لهذا التأثر من دون أن أعرف. عندما كنت أقرأ الاب تياردو شاردان، وكنا نقرؤه، ولا يجوز اغفال هكذا أمور، لان المفكرين الكبار، هم الذين يصنعون الرجال العظام. وأنا أعرف بشكل واضح الى أيٌ حدٍ أنا تأثرت بتوجيهات صديقي الاستاذ ميشال ناصيف كيروز، وأعرف الى أيٌ حد كان “الحكيم” سمير جعجع هو نتيجة هذا الفكر الروحاني التطوري.وأظن انه لولا مشاغل السياسة، كان لهذا الرجل أن يأتي باشياء أهم مما يأتي به اليوم ، ولكن مسألة لبنان ليست هامشية عنده، هذا ما أعرفه عنه. وهذا ما أصبح الكثيرون من اللبنانيين يدلوّن على بعض عناصرتعرفه حول ثقافتهم، يقولون لهم، لماذا شائع الى هذا الحدّ في بشري الاب تياردو شاردان؟، هم بنظرهم يجب ان يشيع جبران. – فالمسألة في عمقها لا خلاف فيها، تيار دور شاردان او جبران، مع الفوارق العديدة بين فكريهما- إنما لان الرجل هو متأثر الى حد بعيد بهذه الثقافة التي بنظري هي المرتكز الاساسي للانسان المثقف. قلت، يُمكن، لولا احداث لبنان، ان يكون للحكيم دورٌ آخر وقد يكون أهم مما يفعله الان. لذا، لا يجب التهرّب من هكذا حقائق، وعندما نسعى وفي فكر جبران، الى البحث عن الانسان، لا يجوز بالنتيجة ان نـُخفي اشعاع الانسان. الذين كتبوا بسوء عن جبران أمثال: روبن ووترفيلد، وميخائيل نعيمه، يبدو أنهم لم يفعلوا، الا أنهم زادوا وكثفوا انتشاره في العالم، لماذا؟، لأنك عندما تريد ان تحبس الشمس، الشمس من تلقاء ذاتها، تفجـّر كل الأقنعة الحديدية التي تضعها في وجهها، هذه أمور لا يجب التنكر لها. وكلمة “يا أبتاه إغفر لهم لانهم لا يدرون ماذا يفعلون” قسّمت التاريخ قسمين، قسم قبلها وقسم بعدها. اذا، انا لا أحب ان ادخل في هكذا متاهات الان، وهي ليست متاهات، انما حقائق. يجب الدخول في متاهة من يضيٌعون الحقائق، والمجاهرة بها علناً. وليزعل ميخائيل نعيمه وأحبائه، وليزعل او يرضى روبن ووتر فيلد وأحبائه، هذه أمور ثانوية، وقد وصلنا الى جمع خمسين ترجمة من كتابه “النبي”، في مختلف دول العالم، ولم ننته بعد. فماذا فعل ووتر فيلد ؟ وماذا فعل ميخائيل نعيمه ؟ هل استطاعا ان يحدٌا من انتشار كتاب النبي؟ هو ينتشراكثر، هنا اذا سألتني اذا استطعت ان أصل الى  آخره ام لا ؟ اقول لك هنا لا نزال في البداية، انا الان في وضع مزعج فكرياً جداً، لانني اضع كتاباً فلسفيا، وقد شارف على النهاية، عنوانه ” رمز الانسانية “، فيجب ان أفكر في شكل معين، ويجب ان أفلسف كل حركة من حركات هذا الشكل، ليستطيع نسبيباً أن يعبـّر عن الانسانية. وجدت نفسي في صلب هذا الكتاب، انني مضطر الى : الدروينية والى جبران، والى الاب بيار دوشاردان، والى النقاشات الطويلة التي كنا نمضيها هنا في بشري نحن والحكيم وميشال ناصيف كيروز.
  • هل الكتابة عن جبران تخلق عندك ألم داخلي ؟
  • بالطبع، لماذا؟ هناك سبب أريد ان أقوله وتسأل ما تشاء، يسبب لي وجعاً ووجعاً مبكياً، لماذا ؟. لا تظن أنني أعظـّم الأشياء، انا لا ازال طفلاً في محاولة عيش الاشياء، واذا اردت ان تلغي كل هذا اللقاء المسجل، الغه، ولكن احرص على هذه الكلمة اذا شئت. انا لا ازال طفلاً في الدخول في هذه الاشياء،عندما تصل الى هذه الاعماق مع هكذا مفكرين، تعرف كم هو الانسان غني، وكيف هو كائن الكائنات بعد الله. عندما تعرف كل هذه القيم عن الانسان، وترى في بلادك  لبنان، في الجبة هنا، في بشري، في بيتك، في الانسانية كلها، الظلم، القهر، الجوع، المرض، الاذلال، الترقيم للناس، ومحاولة تكتل جماعة لتبيد جماعة اخرى، امام هذه العظمات في الانسان التي اكتشفتها في ذاتي، ولكن في ضوء المعارف التي رايتها عند هؤلاء العظام، كيف لا تتألم ؟ فاكتشافها في البداية قد يكون من باب اكتشاف المعرفة لا أكثر، اما عندما تعرف كم عانوا هم لاكتشاف هذه، وان تضع الاصبع على جراحهم، كيف تستطيع ان تكون من دون تألم ؟ كيف تستطيع ان تسلم نفسك من الجراح والتجريح، عندما ترى الشارع الحقير، والانسان مكتفياُ بضعفه، مكتفياً بانتماءاته، مكتفياُ بانسلاخه عن ذاته ليكون ظلاً لأحد؟ كيف تستطيع ان ترتاح هكذا ؟
  • وهل كل الناس قادرون على الخروج من واقعهم ؟
  • يجب ان نستطيع ايجاد من يخرجهم، وهذا دور الثقافة،دور القيادات الواعية، دور الموجهين. منذ ثلاثة ايام كانت هنا امرأة فرنسية تسأل عن بعض اللوحات وانا أجيب، ثم التفتت الى شخص حاضر تقول له : أين قام بدروسه هذا الرجل؟، سمعت، فقلت لها انا خريج الجامعة اليسوعية، ولكن صدقيني “مدام”، الجامعة تعلم الانسان المنهج، ولا تثقف. لذا، في مكتبي ما قد يدلّ على ثقافتي، وفي كلامي أمامك ما قد يدل على ثقافتي، التي قد لا تجدينها في كتاب. هذه مجموعة من تأملاتي وحياتي وكتاباتي، والى آخره، اصبحت عجنة واحدة. اذا، برامجنا لا تجعلنا بشراً، اسمع مني هذا، وأقولها بمسؤولية، يتلهون بمليون قضية وقضية في لبنان ، ولكن لا يعملون للفكر الذي يصنع الانسان اللبناني انسانا ً صاحب قضية، انساناً، وقضية القضايا هي الانسان.
  • لقد إئتمنت في حياتك على وزنات، هل انت راضٍ عن النتائج ؟
  • هناك جرح، وهذا على الصعيد المادي وعلى صعيد العلاقات الاجتماعية والحفاظ على الاشياء. سنة 1992 سرقت من متحف جبران رسمة للقديس بطرس مكتوب باسفلها ” هذا رسم المسمى بطرس “، بخط جبران، مساحتها (12×16سنم)، وهي موجودة في كتاب يسوع ابن الانسان. – جبران كان يحب بطرس ويفضله على بولس – باستثناء هذه الحادثة، قد اكون حرصت على الامانة . ولكن الامانة يا صديقي ان أدعيها هكذا واقول حرصت، هذا قول يقوله اي إنسان، لوحات جبران وصلت الى لبنان عام 1932، لغاية ما استلمت المتحف عام 1971، هناك أربعون سنة .هل تستطيع ان تخبرني خبراً عن لوحات جبران قبل عام 1971؟.
  • –           قد يكون السبب، ان الزعامات في بشري، جعلت من لجان جبران المتعاقبة  ساحة للصراعات السياسية فيما بينها ؟
  • لا أتصور أنهم حولوها الى صراع سياسي، أنا أتكلم عن جبران .
  • ولكن قسموا العائلات، وتحولت اللجان الى لعبة سياسية مكشوفة ؟
  • لا اقول لا، وهذا شيء يجب ان يذكر، ولكن رؤساء وأعضاء لجان جبران السابقة لهذا التاريخ هل كانوا يعرفون ما قيمة الفكر الذي نتحدث عنه الان؟. هل كانوا يعرفون قيمة الفن؟. هل كانوا يعرفون قيمة الجمال؟. هل كانوا يعرفون مثلاً ماذا كان يفكر دوستويفسكي عندما قال :” لقد بدأ الجمال يساهم في خلاص النفوس”، هذا ولا أروع.           ليس الى هذا الحد مطلوب منهم  ؟
  • اشكر الله أنني جئت من الفلسفة الى متحف جبران، جئت من العلم الذي يولـّد قضايا فيك، واستلمت متحف جبران، فولدت القضايا. انا لا اسمح لنفسي بان اقول انني عالجت كل القضايا على الاطلاق. ومن قال عني ذات يوم وكان يعظ : ” اذا اردتم ان تعرفوا المسيح قد ترون افعاله”، اما ذا اردتم ان تعرفوا جبران فاعرفوا وهيب كيروز “. هذا كلام على المنابر فيه مبالغات، مع ان الذي قاله هو مربيٌ الروحي، وقد توفاه الله، وشكراً له، وربنا يرأف به. المسألة ليست هنا، هناك قضايا، عليك ان تسأل في القضية كذا اين ؟. واستطيع ان أقول لك بانني تجرأت وقد أكون جاهلاً في هذا الأمر، ووضعت كتابي الضخم 1300 صفحة – مجلدان – تحت عنوان “عالم جبران الفكري”، أنت لا تجرؤ ان تطلق كلمة “عالم”، كلمة واسعة، ولكن أحببت وعزمت مستطاعي، وبالدين طبعت هذين المجلدين، لأنقل الدراسات من، مثلاً : ” جبران والنزعة الانسانية “،      ” جبران والمرأة “، ” جبران والرومنطقية “، و”جبران والنهضة ” الخ… زوايا زوايا، واذا لم تربط هذه الزوايا بالكل الجبراني، فقد تأتي مغلوطة أحياناً. انا في مقدماتي العامة شكرت كل هؤلاء الذين وضعوا كتب عن جبران، لانهم ساعدوني على أن أستقرء من الزوايا التي عالجوها القمّة التي هي جبران. واعرف ماذا كتبت، أعرف جيداً أنني كتبت لاحـّول منهج الدراسات.
  • ما هو أجمل كتاب قرأته في حياتك ؟
  • كتاب الانجيل، وبهديه، استطعت ان أقرأ الكتب العظيمة الاخرى، كمؤلفات تيار دوشاردان وخصوصاً على الصعيد اللبناني، كتاب “قدموس”، لسعيد عقل. هذا دستور أمة، يجب ان يتخلـّق به اللبنانيون، كل اللبنانيين، كل الذين يحبٌون لبنان . يجب ان يتخلٌقوا به ، لا لان اسمه قدموس ، انما القيم الموجودة فيه قادرة ان تصنع أمٌة بكل بساطة .
  • –            للاب تيار دوشاردان ،l’hymne de l’univers   كتاب l’esprit c’est inconnue   le  phenomene humain  لجان شارون،  وكذلك الامرl’homme c’est inconnu   لالكسي كاريل. اذا، كل هذه الكتب كان مفتاحها الانجيل. انا لم استطيع ان أفهم هذه وأعماقها وقيمتها، الا، لان الانجيل علمني، لا الدين المسيحي فقط إنما علمني قيمة الاشياء، والشعوب التي لا تدخل في لعبة القيمة، اعذرني، وهذا أمر هام في مفهوم الثقافة، الشعوب التي لا تدخل في لعبة القيمة، وتضع الاشياء في مقياس القيمة، هي ليست اكثر من شعوب تجمع المعلومات والمعارف. والمعارف، قد تفيد بانك عارف، وهذا أمر هام جداً، ولكن هذه لا تدل على انك متطور او مثقف. الثقافة قيمة، او الثقافة قيمة المعرفة، وهي قيمة تعي ذاتها. وعندما تجد انها غير راجحة في ميزان القيم، والاخلاقيات، تألي عنها،أي تغيٌرها، تنتقل الى غيرها.
  • كيف هي علاقتك بالله ؟
  • انا احب الله لانني لا أعرفه ، وأعترف لك وهذه مشهد من مشاهد ” المرايا ” في هذه الجبة  انسان يعيش هكذا . قبل ان أنام أصلي، وكثيراً من المرار اتوجه الى الله بطلبات، فأندم، واقول له، سامحني، لقد طلبت طلبات منك، فاريد خيري وخير من أصلي له، ساعدني لأصلي، ساعدني أن أتامل بك انت بالذات يا الله . أجد نفسي أنه من الصعب، ويكاد ينفجر رأسي لاعرفه، فأخاف على رأسي، وأقف ساعتئذٍ اقول له : علمني ماذا أقول لك ؟. من هنا أعبده لانه مجهول ومعلوم في آن معاً، معلوم بالمسلمة الايمانية، ومجهول في جوهره. لانه مجهول، هو محفزي الدائم، هو يجددني، يولدني كل لحظة. اما ما أعرفه عنه، فلا يتعدى الملامسة من الخارج، وأحب ان يبقى هذا السر سراً، أحب ان يبقى في حياتنا سراً، يغلفنا ويحركنا من صميم كياننا. بهذين الامرين المختلفي الاتجاه، أشعرانني أقيم علاقة مع الله، اشعر انه يساعدني.
  • انت من الذين اعطوا بشري الكثير ماذا اعطتك بشري ؟ او بالاحرى ماذا اعطاك أهالي بشري ؟
  • اخبر خبراً بهذا الشأن، لتعرف شيئاً يا صديقي، من الحوافز التي دعتني الى أن ” أفني العمر في متحف جبران ” . في العام 1975، وفي أول مقابلة تلفزيونية بثت على تلفزيون لبنان، في برنامج ” نقطة على الحرف “، وكانت تقدمه الاعلامية ريموند أنجلوبولو، ذيعت هذه المقابلة ، وفي اليوم التالي لاذاعتها ، كنت نازلاً باتجاه ساحة مارسابا على الدرج، يفاجئني رجل بحضوره، ونسلٌم على بعضنا، ثم غدرني وقبٌل يدي، نشلت يدي ولكن كان سبق السيف العزل، فقلت له، ماذا تفعل يا أخي؟ لماذا هذا؟ قال لي، ليلة أمس على شاشة تلفزيون لبنان سمعتك، فرفعت رأسي، وأنا لا أريد من الدنيا إلا ان يٌقال ويعرف في بلدتي، هناك من يتحدث عن جبران بلغة وكلام لائق، وانت توقفت مع تفاصيل تعود على جبران الى بشري. قلت له : هذا هو الأمر الهام ؟ قال لي أهم شيء لاننا مجهولين، وجبراننا مجهول في لبنان، آلمني كثيراُ هذا الموقف، واقوله، واريد تدوينه لتعرف طيبة البشراوي. يريد ان تكون عزٌة نفسه مصانة، هذا ما يريده. من يحاول ان يزعزع هذه العـزّة ، يجب ان نجد له علاجاً ، يجب ان يداوى، هذه العزٌه، يجب تقديسها، لانها أم كل الفضائل الاخرى.  اذا ما اعطتني بشري الا هذه، وهذا كان حافزاً لي. انا اشكر بشري، لإنها  قد تكون من ناحية أو أخرى آلمتني، ولكن، اليك علاقتي ببشري وماذا علمتني : كلٌ منا يا صديقي يعتبر نفسه بما عنده، أنه مكتفٍ، وانه فوق كل الناس، هو يعتبر هكذا، لان أقرب شيء اليه هو ما هو فيه، فهو يتفاعل مع ما معه، وهذا ال”معه” لم ينقضه، ولم يقيٌمه، فاذا هو افضل شيء . تصور الحركة المعاكسة لهذه الحركة المطلقية، يدخل الانسان ذاته قدر المستطاع، يدخل جمعيات، يؤسس جمعيات، كما فعلت في حياتي. يدخل مع رفاق له، مع طلاب، يعلـّم، وانت تعرف عملت الكثير، عرفت شيئين : الشيء الاول، الفراغ الكبير في بلدتي، خصوصاً الفراغ الثقافي، هذا في بلدتي بشري. وعرفت في المقابل، وهذا ما يفاجىء، – وهذا ما يخالف الواقع المألوف عن الناس – عرفت محدودية مقدراتي الشخصية ، ان لجهة العقل والثقافة ، أو لجهة قلبي الكبير الذي تحتاجه بلدتي، او لجهة المحبة الكبرى . يجب ان أكون مسيحياً كاملاً حتى استطيع ان اقوم بما أحبه. أو للجهة الاقتصادية ، انا رجل فقير، ولولا مسعى الاب فيليب شبيعه في تعليمي، كان محتملا ً جدا ً الاّ أتعلم. علمتني بشري انها تحتاج الى أكبر مني، وهنا، أقول لك بأنني لست من الجبناء الذين ينهزمون، هي تحتاج الى أكبر مني، ولكن قلت، أعطاني الرب بعض وزنات، ولو محدودة، فعليّ أن أعمل بها، وعملت، فمن علمني ان أستثمر وزناتي ؟ بشري علمتني، هي لم تعلمني ما يصنعني رجلاً، علمتني جراحها، وحراحها ساكنتني. وقد تأتي الايام، تجد هذا الذي اقوله لك في كتابي ” صوت في المدينة ” او كتاب ” الاربعماية حكمة “.
  • اذا يؤلمك واقع بشري ؟
  • عندما توقع على قضايا انسانية، حكماً ستتألم. الالم حيث توجد قضية لا يمكن الان ان يتسرب اليك، ولكن هل تجعل من ألمك مبخرة وتبخـّر بها على الطرقات ؟ هذه معاناة وحياة شخصية. ولكن اقول لك، بأن العدوى في هذا الامر مشت عند الكثيرين من الاصدقاء الذين أتعاطى معه. هذا الامر مهم جداً، تصور انّ هذا كان انفتاحاً على الفلسفة العظمى التي يجب ان نبدأ العمل بها، ” أنت بالاخر، وانت بالاخر وجُدت، والاخر يكمٌل فيك “. هذه الثلاثية لا يجوز تغافلها. واذا كان لا بد ان تنبت في مكان، فيجب ان تنبت في جوارالارز، على ضفاف وادي قاديشا في جبة بشري، لان، هنا موطن للالهام عظيم. في الرسالة الاولى التي أرسلها البطريرك الاول مار يوحنا مارون الى أبناء الجبل، يقول لهم هكذا :” ان الله اختار هذا الجبل مسكناً له الى الابد “. فعندما أقرأ هكذا جملة، لا استطيع إلا ان أخجل من نفسي ومن صغري، وكل شيء بات يؤلمني، لأن كل شيء بات يحتاج الى تغيير، بات يقتضي مني أن أعرف أنني للآخر، وأن الاخر أوجدني، وانا لا استطيع ان أحقق ذاتي إلا بالاخر.الاخر هو القضية، وأنا فاعل هذه القضية. من هنا، عندما يكون هذا الجبل مسكناً للرب، اذا تأملت في هذا الامر، استطيع أن أرى ملحمة جراح البشرية كلها، واستطيع ان أرى ملحمة جراح لبنان، لانه ابتعد عن الجبل. كل المدن عندنا يعتريها الوباء من ألف لون ولون، انا لا اقول هذا لأنني أسكن في متحف جبران على علو 1450م، انا اقول هذا لانه، اذا كان هذا الجبل هو جبل الرب، يجب ألا ننسى التاريخ اللاواعي فينا، وكيف يعمرنا. وهذا ما يبدو في الكتاب الذي اكتبه الان ” رمز الانسانية ” ، في القسم الاول منه. اذا، لا شيء عندما تعرف بُعده عن الحقيقة، أو اعوجاجه في ضوء هذه القيم، إلا ّ ويكون نبعاً للالم في كيانك، فلا تعلم كيف تتألم !.
  • برايك لماذا فشل “متعلمو بشري” في إحداث تغيير نوعي في الواقع العائلي ؟ ولماذا بقي معظمهم منقاداً الى الزعامات التقليدية ؟
  • لقد أتيت على ذكر هذا في تلميحات عديدة، قلت لك، الثقافة هي التي تولٌد القضايا، لا التعلـّم ولا برامج المدرسة. وذكرت لك، ان الجامعة تعلـّم المنهج. التعلـّم، لا يستطيع ان ينشلنا من جذور العائلية والطائفية، اذا درسنا الفيزياء والكيمياء وكل مواد العلوم، ماذا ستفعل بنا؟ واذا درّسنا الأدب العربي بالذات، كيف يعلمنا هذا  الادب ان نخرج من جلودك الملصقة عليك ؟. عندما نخرج من ارحام أمهاتنا، نحن نحمل الارادة الالهية فينا، اذا، نحن بفطرتنا الاساسية سابقون للعائلية وللزعامات وللدين كتعلـّم. ثم نعيش في بيئة  تنشئنا على العائلية، والبيئة تطلبمن العلم او التعلـّم، ان تحررنا من العائلية، والعائلية كناية عن عصب خصوصي للعصب الاخر. ولكن، الناس يجدون بعض الاحيان نتيجة ضعفهم، ان العائلة هي مأوى. فاذا كانت العائلية عصباً خصومياً للآخر، والعصب هذا يبقى ويقوى نتيجة ضعف الانسان، لا يفكر بنضج المسيحية وعمقها، ولا يفكر بقيمة الانسانية، لانه محدود في اطار معين. هو يرفض الاحزاب، هو يرفض التكتلات الانسانية العامة، هو يرفض الفكر المنفتح، يبقى فيها، وهؤلاء دائماً  يقولون :” خلينا نمشي عالدكّ “، وهذا مثل عامي، اي دعنا نسيرعلى ما سار عليه السلف. وهذا السيرعلى السلف، دون ان يعوا، وهذا خطير جداً، أنهم يقفزون من حاضرهم في الزمن الى الماضي الماضي، فيعدمون حالهم في الحاضر. إنهم معدوموا الفعل في الحاضر، وأحياء بممات، فكيف تقبل هذا ؟. هذه التناقضات، الناس لا يتأملون بها.  لدي كتاب يدعى ” تناقضات لبنانية “، كتبته باللغة اللبنانية ولا اعرف اذا سأنشره ام لا ؟ إنما، هناك تحليل لهذه الوقائع، يجب تحليل هذه، يجب دراسة هذه. مادة علم الاجتماع المعاصرة لنا اليوم في البرامج، تقول بعض أشياء من هذا، ولكن القصة ليست في تلاميح او في غمزات او في ايحاءات، او الى ما هنالك، الامر ليس هكذا، هل تريد شعباً ؟ يجب ان تعلمه. والسياسة في لبنان هي امتداد لهذا الواقع. من هنا نرى كل التركيبات السياسية في لبنان هي امتداد لهذا الواقع. لذا، يجب ان تبدأ ثورة الثقافة. من يتحدث اليوم، وانا لي الامل الاكبر بالرجل ( سمير جعجع ) الذي قلت لك، انه لولا سياسة لبنان، لكان أتى بشيء آخرأهمّ من المواقف التي يأخذها اليوم، مع أنها تعرضه كل ساعة الى الهلاك. بعلاقتي الخاصة به، وبالمرحلة التي نشأنا فيها معاً في بلدتنا، اطلب اليه ان يحاول بكل ما يستطيع ان يبدأ بثورة الثقافة. انا أريد ان أقول لك شيئاً وجدته عند الفيلسوف رينيه حبشي، بكلامه عن الفكر في لبنان، فيدرس الوجودية والشخصانية، ويدرس الالحادية والاديان، والى آخره… وكلها تنتهي ب”ism ، فيقول : “هذه الفلسفات تؤدي الى أخطار كبيرة، لذا، هذه ال “ism ، هي بحاجة الى “حمّام من الثقافة “. اذا، بقدر ما ننشّط هذه، نخرج من مرحلة تجميع المعارف، الى مرحلة القيمة في الثقافة.
  • في بشري متعلمون كثر؟
  • قد تكون بشري الاولى في المتعلمين، لكنها قليلة الحظ بالمثقفين. شباب بشري اطالوا القيام في مرحلتي العائلية والمعرفة، ونادراً ما قفزوا الى مرحلة الثقافة. هناك بعض المثقفين، انا أحترمهم جداً، ولو اختلفنا في الرأي، وهذا دليل عافية. ان تختلف انت فكريا ًمع المثقف، هذا أمر طبيعي، اكثر ما يختلف ممّن يسيرون على ” الدكّ “، مع بعضهم البعض. اما القضايا الكبرى كما سبق ورأينا، لا تولد إلا بفعل ثقافة عميق يبحث عن الحقيقة.  وهنا آخر ما اهتديت اليه في كتابي الذي اكتبه الان، ما الفارق بين الحقيقة والحق؟ الحق هو ما لا يقبل الشك، وهو قائم بذاته. الحقيقية، أي ” حقيق ” – وهي على وزن فعيل -. أي أمر من الامور وقع عليه فعل العقل، فهو ” حقيق “. اذا، الحقيقة، هي شيء نسبي نفتش عنه، وقد نعرفه، ولكن على ضوء الحق. الله هو حق، وعقولنا  تنتمي الى الحقيقة. اذا، هذا ما يجب البحث عنه، المعارف الاصيلة لا تبحث إلا عن ال”حقيق “. ولكن الحق، هو الذي يعطينا الثقافة. الحق وراء الثقافة، والمعارف وراء ال “حقيق”.                                                                                       – هل العائلية هي تهمة ؟ وهل استطعت فعلياً ان تتخلص من الواقع العائلي ؟

انا لا أجد في العائلة ضعفاً، او تهمةً كما يقال، لماذا؟ لان الاحزاب التي تشكل الخطوة التي تجتاز الطائفة والعائلة والقبلية ليست نابعة من جمهورية افلاطون، عندها مصائبها التي لا تـُحمل. حتى ان البلدان التي تقوم على الحزب الواحد الحاكم لا تتصور كم توجد فيها من التجمعات السرية والتكتلات المخفية والى ما هنالك. وهنا يمكن ان يقال : ” صانع القوة الطاغية، يصنع دون ان يدري، عدوها فيقتلها “. العائلية ليست من هذا النوع، العائلية هي نشأة شبه طبيعية، يتعلمها الانسان بعد ان يأتي من عند ربنا، وينشأ عليها ويعيش فيها ضمن الاطار الذي قلته لك. انسجاماً مع سياق الكلام الذي قلت، قلت لك هناك ال”حقيق” والحق. أن يجد الانسان نفسه، وان يعرف ان قـوته فيه، هذا حق، او هذا من جهة الحق. وان يجد الانسان مأواه وملجأه في عائليات وبيت وطوائف، والى ما هنالك ، هذا “حقيق” كما قلت سابقاً. كل منا قد يكون عائلياً صرفاً، وطائفياً صرفاً، اذا لم ُيخضع وجوده العائلي او القبلي، او العشائري، او الاسروي، او الطائفي، الى العقل ليقيمه، وهذا يقتضي ثقافة هامة. كثر اليوم يجدون في العائلية افضلية على ما يسمى بالاحزاب،ولكن انا اقول في سرّي هؤلاء، لا يعرفون ما هي العائلية، ولا يعرفون ما هي الاحزاب. في العائلية بعض فضائل لا يمكن التنكر لها، ولكن ان تأتي هذه الفضائل من قناعتك الذاتية، لا ممن أورثوك في العائلة، فهذا يغنيك ويغني العائلة اذا ظلت باقية. ُيحسنها، ينقلها الى الحكم عن الشيء بذاته، ولا الحكم على الشيء بخصومة  له. هذا فارق شاسع إنتقال الانسان من هذه الحال الى هذه الحال. شخصياً، أتمنى الاّ يبقى فيّ أي أثر من آثار العائلية، فأصبح ساعتئذٍ أميل الى الحقّ، وهذا رجائي كانسان. واذا كان لا بدّ أن تبقى هناك آثار، فليبق على الاقلّ النبيل في العائلة. من هنا، مجتمعنا البشراوي قد تكون له الأفضلية على سائر المجتمعات، لان في داخله طيبة، يجب الدخول اليها وتفجيرها. الحقائق ليست أشياء موثقة، الحقائق قائمة فينا في امتدادنا نحو الواحد، وهكذا نصعد شيئاً فشيئاً من ال” حقيق” الى الحق. وطالما هذا الصعود لا يزال بطيئاً، فالواقع معروف، بشري اليوم تمر في مرحلة مخاض، أنا أصلي ليتم المخاض عن ولادة غنيّة .

  • ألم تتمكن القوات اللبنانية من إحداث خرق في هذا المجال ؟
  • أنا سعيد بتسمية ” القوات اللبنانية “، القوات اللبنانية إسم شفاف، ويستوعب كل القوى.ايّ قوة في لبنان يمكنها ان تكون القوات. لماذا يستعدونها لا أعرف، ولكن هي قوات لبنانية . مجتمع القوات هو مجتمع شبابي، هو مجتمع فتيان، وهنا قوته، وهنا أخطاؤه . في فتيانيته ، لا بدّ ان يرتكب أخطاء، ولكن أن تجد الناس في فتوتهم يركضون وراء هذا المثال يجب التأمل بها. لماذا يركضون هكذا وليس بالاتجاه المعاكس، لماذا ؟ الا يقول هذا شيئاً ؟ الناس ينشدون دائماً مثالاً، والصغار يعشقون المثال أكثر، لماذا؟، لان معارفهم لم تكثر بعد. في كثرة المعرفة أنت تطيل النقاش، في قلة المعرفة أنت تنشد المثال مباشرة وهذه فطرة، وهذه طيبة وهذه أصالة. من يسمع هذا الكلام قد يقول لك هذا تبرير، وهذا ميل، لا، فالطفل يرى في والديه مثاله. فاذا كانت القوات هذا المثال – مجتمع القوات هو مجتمع شبابي فتواتي – هذا المجتمع هو الوعد، هو الامل. اذا كان لبنان لا يريد ان يلعب لعبة البرامج المثقفة ، فعلى القوات اللبنانية ان يعوّضوا عن الدولة. نحن، يا للاسف، ليس لدينا دولة، واذا كان القوات هي فعلا قوات لبنانية، واذا كان بيت القائد كما أراه قبالتي كل يوم هنا، من أفقر بيوت بشري، وفوقه بيت نائب هو من البيوت الفقيرة في بشري، اذا كنا قد وصلنا مع هؤلاء الى هذا المستوى من المسؤولية، والخوض في معركة لبنان بخط سليم ، فهذه أمثولة لنا جميعاً  لان الفقر ليس حاجزاً او عائقاً أمام الطموح. المقادير او طموحك يا قدموس، لا شيء في طريق الطموح، قلت “أنـّى سنقحمُ البرّ والبحر، نجدّ الفتوح تلو الفتوح، ومن الموطن الصغير نرود ُ الارض، نذري في كل شطٍ قرانا، نتحدّى الدنيا شعوباً وأمصار، ونبني أنـّى نشأ لبنان” .  

   –    بيبليوغرافيا

– ولد في بشري سنة 1941 .
– مجاز في الآداب من جامعة القديس يوسف : اليسوعيّة.
– درّس منذ العام 1965 تاريخ الأدبين : العربي والفرنسي والفلسفة العامّة وعلم النفس والفلسفة العربية وتاريخ العلوم وعلم الإجتماع من خلال أعلام الفكر الإنساني.
– تسلم إدارة متحف جبران في بشري منذ 1971 ولا يزال.
– درّس، متطوّعاً، في عدة معاهد، شخصية الأميـر فخر الدين ومدرسته في الوطنية اللبنانية وكذلك الفكر المسيحي في الصفوف الثانوية.
– متطوّع ، منذ العام 1960، في انشاء وتنشيط جـمعيات خيرية هدفها الخير العام منها : جمعية شبيبة ضد المخدرات، الشبيبة البشراويّة ، لجنة أصدقاء غابة الارز ، الصليب الأحمر- فرع بشري،  لجنة مدينة الأطفال ـ جبرانيا ـ بشري .
مؤلفاته المنشورة : – “عالم جبران الرّسّـام ” 1983، وهو أوّل بحث يتناول جبران في فنـّه التشكيلي، ولا يزال المرجع الوحيد المعتمد في الجامعات ومختلف الدراسات عن جبران في هذا الإطار.
– “عالم جبران الفكري ” مجلدان” 1984، والذي اعتبر منطلقا للتحول في بحث فكر جبران وفنـّه.
– ” الجدليّة التوحيديّة في فكر جبران ” ( بالفرنسيّة ) 1983 .
– ” الأرز رمزا ً وأبعادا ً في اللاوعي ” 1993 .
-“جبران فـي متحفـه ” بالعربيّة 1994، بالانكليزيّة : الطبعة الأولى 1995 ، الثانية 1997، الثالثة (1999) بالفرنسيّة : الطبعة الأولى:1996، الثانية 1998 بالالمانيّة (1999)
– مساهمات علميّة في بحث ظاهرة المخدرات ( منشورات متخصّصة).
– وضع العديد من مقدمات دواوين شعر وأبحاث في البارابسيكولوجيا والأدب وسير القديسين والدين والتاريخ .
– مقدمـة تحليليّـة للفكر الصوفي في كتاب النبي 1997 .
– ” جبران خليل جبران إنبثاق الرَّحم العذريَّة ” ( بالفرنسيَّة ) لوبيناكل ، بيروت 1999.
-” شعر إلى سعيد عقل ” ، كانون الأول 2003.
– ” صوت في المدينة ” ، شباط 2006 ، بشاريا للنشر
قيد الطبع :
– دراسات فنيّة لأنصاب وتحف فنيّة لبنانيّة عالميّة.
– على شاطئ الذات اللبنانيّة رمزاً وإبداعاً.
– حياة جبران خليل جبران : “صراع العبقريّة والقدر” .
– خلاصة فلسفيَّة لحركة إنماء الريف.                                                                              – رمز الانسانية                                                                                                        –  تناقضات لبنانية  ( باللغة اللبنانية )

في المسرح:
– ” شقور والجنيّه “: مسرحيّة للصّغار يعلم فيها شقور حبّ الجنيّه بدل الخوف منها لتنبجس مياه النبع المحبوسة .
– ” جبران المجنون ” : مسرحيّة إيحائية راقصة . آذار 1999. تتناول المجنون في صراعه مع الحقيقة حتى يشارف وجه النبيّ.
– ” نحَّات الضّيعة “: مسرحيَّة الرّوح الخيِّر المستور في مجتمع مغلوط ولكنَه يتجلَى في شخص النحّات وفتيان الضّيعة.
– ” الجرس الأنطوني ” : مسرحيَّة بطلها القديس مطانيوس في صراعه بين الإنسان والنَاسك.             – ” جبران لوحة عمرأوبريت وضع نصوصها ، واختار لها اللوحات الجبرانية .

محاضر في الآداب والفلسفة والجماليَّة:
– في العديد من الأندية والمعاهد والجامعات في لبنان ، روما، بروكسل، دمشق، أبو ظبي (دولة الامارات)، سيدنـي- أوستراليا .
– أقام عدّة معارض لجبران الفنان في روما ، أبو ظبي ، بلجيكا …
– يوجّه ويوثق للعديد من الأطروحات الجامعيّة عن جبـران والدراسات السياحيّة.
– وضع المئات من الرسائل والمقالات في مختلف مسائل الفكر وأجريت معه مئات المقابلات          الصحفية والإذاعية والتلفزيونية المحلية والفضائية.
مكافآت محليَّة وعالميَّة
– حائز جائزة ” ميشال برتي ” على كتابه ” عالم جبران الرَّسام ” سنة 1983.
– حائز ” جائزة فخر الدين ” في الوطنيّة 1993 لمنشئها الجنرال عزيز الأحدب.
– حائز جائزة “جبران خليل جبران ” لمنشئها ” رابطة إحياء التراث العربي” عن العام 1999،                 (سيدني- استراليا.)                   
– حائز ” جائزة سعيد عقل ” ( كانون الأول 2003)
– حائز ” درع نقابة معلمي المدارس الخاصة “، فرع الشمال ( آذار 2006)                                            – عضو شرف في إتحاد كتاب الصين ( صيف2000)

جمل بارزة في الصفحات

” المفكرين الكبار ، هم الذين يصنعون الرجال العظام

–  “الحكيم ، متأثر الى حد ّبعيد ، بالفكر الروحاني التطوري ، والذي هو بنظري

      المرتكز الاساسي للانسان المثقف “.

– ” لولا أحداث لبنان – ومسألة  لبنان ليست هامشية عنده – ولولا مشاغله السياسية التي

    تعرضه للخطر، لكان للحكيم دور آخر ، وقد يكون أهم مما يفعله الان ” .  

– ” كيف تستطيع أن تسلم نفسك من الجراح والتجريح ، عندما ترى الانسان مكتفيا ً 

    بضعفه ، وبانتماءاته ، وبانسلاخه عن ذاته ، ليكون ظلا ً لاحد “. 

– ” أنا لا أزال طفلا ً في محاولة عيش الاشياء ، والدخول فيها ” .

– ” البشراوي يريد أن تكون عزّة  نفسه مصانة . وهذه العزّة ، يجب تقديسها ، لانها أم

    كل الفضائل الاخرى “.

–  في رسالته الاولى الى أبناء الجبل قال البطريرك يوحنا مارون : ” ان الله اختار هذا الجبل مسكنا ً

   له الى الابد “.

– ” أطلب من الحكيم ، وبحكم علاقتي الخاصة به ، أن يحاول بكل ما يستطيع ، ويبدأ بثورة الثقافة “.

spot_imgspot_img