
في ليلة أسطورية ساحرة، لا تُنسى، عاد الأرز ليحكي قصة الوطن على وقع خطوات “ميّاس”، التي أبهرت الآلاف بعرضها الفني الرفيع خلال افتتاح مهرجانات الأرز الدولية، بعد غياب قسري دام خمس سنوات بفعل الأزمات المتلاحقة التي عصفت بلبنان.
بدأت “ميّاس” عرضها الأسطوريّ الذي ضم 70 راقصة وراقص فكانت اللوحات ساحرة والمؤثرات الضوئية والصوتية الضخمة مميزة، والموسيقى اللبنانية رائعة، فطار الجمهور الى رحاب حلم “العودة”، عودة لبنان الى كنف الحضارة والحياة… والأرز.


لوحة “الصلاة” الأولى
التي أدتها مياس، عبقت رائحة البخور في الأرجاء، وكانت “العودة” هذه المرة الى كهوف وادي قنوبين القديمة، حيث التقت صلوات الرهبان بأجنحة الملائكة التي رفرفت في المكان. وجسدت هذه اللوحة اجتياح “المماليك” الصامت ومحاولتهم إطفاء نور الأمل، لتبدأ بعد ذلك المعركة الملحمية، فتحمي الرهبان وتحفظ شعلة الإيمان.
اللوحة الثانية
شيء من الغموض والخيال والألغاز. إنها “النبوءة” التي لعبتها مياس على طريقتها، فشكلت جسرًا بين العالم الذي نعرفه والعالم الذي نحن على وشك اكتشافه. اللوحة الثالثة
كانت لـ”الأرزة”. هناك ولد جبران الصغير، وهناك استقبلته روح حيّة من شجرة الأرز، عرّفته على المكان الذي سيُصبح وطنه. في موطنه هذا كبر جبران وأصبح شابًا.


اللوحة الرابعة والخامسة والسادسة، لوحة “يا ابني”،
جسد صراعًا بين مصيرين، إذ تنادي المطرة جبران الشاب الى الرحلة، بينما تحاول الأرزة حمايته في جذورها. في هذه الرقصة يختار جبران الانطلاق في البحر، حيث تغوص في سفينة الأحلام في المجهول، ولوحة “البحر” هي إشارة إلى هجرة جبران من لبنان نحو الغرب. في رقصة “اللوحات”، يظهر جبران كفنان تعبيري، تترجم كل “خربشة” من فرشاته، جوهر جمالٍ اختبره أو يتوق إليه. هذه اللوحة، تجسد شخصية جبران الغامضة، لتولد بعد ذلك ملكة الجليد وسيدة الشتاء القاسي.






في اللوحة السابعة
مشهدية “الشتاء والجليد” السابعة، يتذكر جبران واقعه القاسي ومرارة الحياة بعيدًا عن وطنه الأم، لكن وعلى الرغم من ذلك، يحاول عبور العاصفة بحثًا عن المطرة وعن وعدها له بالنجاح.




في لوحتها الثامنة تجسد مياس مبدأ “الخير والشر”
فجبران الذي يعيش رحلته الإبداعية، يخوض معركة ضد السيطرة على عقله وروحه، مصطدمًا بجفاف الإلهام الذي يثقل كاهله كفنان. وبعد انهياره، تهبط المطرة عليه كالنور فتمنحه القوة لتجاوز محنته… ويُولد “النبي”.
اللوحة التاسعة،
أدت فيها مياس رقصة “الجنازة” والعودة إلى الأرز، وسط حزن شديد على الطفل الذي قادته المطرة عبر البحار ليحقق أحلامه.





اللوحة العاشرة
فيها الولادة والانبعاث فـ”المرأة الأخرى” تجسد المعتقدات التي رافقت جبران طوال حياته، وتأخذ “العودة” شكلها النهائي في صورة أنثوية، متماشية مع ختام “النبي”.
أما اللوحة الحادية عشرة أو “الاحتفال بالدورات”
فهي عودة روح جبران الى عالمنا. واللافت أن هذه اللوحة لم تكن نهاية الاحتفالية، إنما بداية لقصة لم تولد بعد.







في هذا العمل المتكامل، تألقت سينتيا كرم بدور المطرة وبديع أبو شقرا بدور جبران الشاب وعمار شلق جبران الكهل، فيما صدح صوت الفنان ملحم زين في أغنية “أعطني الناي وغني” وصوت جاهدة وهبة في رائعة “يا ابني”.
انتهت الأمسية الحالية، تاركة في القلب شعورًا غريبًا تزاوج بين الفرح والانبهار والغصة. من يكن ليتخيل أنه سيتمكن من معاصرة جبران خليل جبران ونحن في العام 2025؟ من زار الأرز السبت الماضي، تخيّل وشعر وعاش. نعم، عاش “الحب الذي لا يعرف عمقه إلا ساعة الفراق”… من زار الأرز السبت الماضي استعاد مجدًا من أمجاد لبنان، الذي لا بدّ أن يعود مع عودة جبران.
في تلك الليلة، لم يكن العرض فقط استعراضاً للمهارة، بل كان احتفالاً بالحياة، وصرخة أمل، ورسالة حب انطلقت من أرز لبنان وستجول أصقاع الأرض مع جبران خليل جبران وكتابه الخالد “النبي” وقصته التي تقشعر لها الأبدان. مع نهاية العرض في الأرز ، قال أحد الساهرين جملة اختصر فيها الكثير.. قال: ميّاس… أنتِ المجد حين يرقص!



