spot_img

ذات صلة

جمع

مهرجانات صيف قنات 2024

ككل سنة تتحدى لجنة مهرجانات قنات الأوضاع الصعبة، وتحرص...

مهرجان الطفل في بشري: منصة ترفيهية للأطفال والعائلات

يُعد مهرجان الطفل في بشري ، الذي انطلق قبل...

في عيد القديس شربل… البطريرك الراعي : ” لبنان أرض قداسة وليس أرض حروب ونزاعات وقتل”

توج البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي احتفالات...

الخوراسقف يوحنا طراد

إعداد الأستاذ مجيد طراد           

  تمهيد 

    لمن يسأل عن ذلك الرسول من بلاد الأرز إلى العالم الذي دخل إلى قلوب الناس من دون استئذان وأزال عنهم لوعات الحرب الكونيّة الثانية وزرع في قلوبهم الأمل والرجاء وهداهم إلى طريق الخلاص، فكانت علاقته بهم كعلاقة المسيح برسله. إنّ سيرة ذلك الرسول هي الجواب، وهي كفيلة بجلاء ما أودع الله في قلبه من إيمان عميق ومحبّة صادقة وإرادة صلبة وعزم يشهد على قدرة الإنسان على صنع المعجزات إذا كان في قلبه مقدار حبّة خردل من الإيمان.

   لقد خدم قريته بعد سيامته كاهنًا على مذبح كنيستها سنة 1943 لأربع سنوات من دون انقطاع، استطاع خلالها أن يحظى بثقة أبناء رعيته وثقة مطران أبرشية الجبّة عبد الله خوري والموفد البطريركي على رعايا الجبّة الخوراسقف اغناطيوس كيروز الذي توسّم فيه كلّ الخير فقرّبه من البطريرك أنطون عريضة الذي عرف قدره وانتدبه ليكون مرسلًا دينيًّا في المجمع الشرقي ليتولى خدمة الرعايا المارونية في ديار الاغتراب. فسافر إلى الولايات المتّحدة الأميركية ثمّ تنقّل بين كندا والمكسيك وفنزويلا والبرازيل والإرجنتين وأستراليا حيث تنتشر هذه الرعايا، فعمل على جمع شتات أبنائها وسعى معهم إلى بناء كنائس وبيوت رعية فيها، ودرّب الكهنة على أداء رتبة القدّاس الماروني الجديد الذي ترجمه إلى اللغة الانكليزية ووزّعه على جميع الرعايا ليتسنّى لأولادها الذين لا يجيدون اللغة العربية ممارسة واجباتهم الدينيّة على أتمّ وجه. وظلّ في خدمتها طيلة خمس وخمسين سنة.

   وزبدة القول في هذا الرجل الذي تجسّدت في شخصه جميع الفضائل التي وردت في كتب الأديان السماوية ما قلته فيه:

                  لولا مشيئةُ ربِّ الكون ما جُمعتْ         تلكَ الفضائلُ  في روحٍ وفي جسدِ

                  فضائلٌ في ربوع الأرز منبتُـــها         وعِطرُها فاح في الدنيـــا ألى الأبدِ

                  لمّا تجلّى إِلهُ الكونِ فيــــها غدتْ         أرضَ القداســة  حتّى منتهى الأمدِ.            

    محطّات بارزة في حياته

1916 : أنجب جريج قرياقوس طراد وزوجته طرّوز إبراهيم طراد ولدهما مخايل في 4 تمّوز سنة 1916 بعد أخيه قرياقوس وأخته كلتوم وقبل أخته حنّة وأخيه غورو، وسمّيَ مخايل على اسم جدّه الذي تولّى أول مشيخة للصلح في القرية سنة 1865 وتقبّل سر العماد على يد كاهن الرعية آنذاك الخوري سمعان أبي نادر في السابع عشر من شهر أيلول.

1922: التحق بمعهد الرسل جونيه حيث تابع دراسته الأولى، وانتقل بعدها إلى مدرسة الحكمة في بيروت قبل أن ينتقل إلى مدارس عين ورقة وإكليركية كرمسدّة ومدرسة مار عبدا هرهريا لتلقّي دروسه الكهنوتيّة.

1923: هاجر أبوه إلى أوستراليا ثمّ لحق به أخوه الأكبر قرياقوس سنة 1924 الذي عاد إلى القرية سنة 1930 وتزوّج وعاد إلى أوستراليا وحده سنة 1935 ثمّ لحقت به زوجته سنة 1939 مع ولديها بعد أن بيع جزء من أملاكهم مقابل تذاكر السفر.

1943: سيم كاهنًا على رعيّة القرية في 27 أيار في بكركي على يد المطران عبدالله خوري واتّخذ اسم يوحنا تيمنًا بنسيبه الخوري يوحنا طراد الذي رمّم كنيسة سيدة ديرونا سنة 1896 وشيّد إلى جانبها مدرسة إكليركية. وفورتسلّمه مهامه الكهنوتية جمع أحداث القرية الذين بلغوا الخامسة من عمرهم وما فوق وشرع في تعليمهم اللغة العربية والفرنسية والسريانية في ظلال شجرة الميس الدهريّة إلى جانب الكنيسة حينًا وعلى درج الكنيسة أحيانًا في فصل الصيف، وفي أقبية البيوت الملائمة شتاءً. وأعاد تنظيم أخوية الحبل بلا دنس وانتسب إلى صفوفها الرجال والنساء لتضمّ 75 عضوًا وجعل لها هيئة إدارية من أربعة عشر عضوًا يتولّون مهامها.

1945: زار المعتمد البطريركي الخوري اغناطيوس كيروز القرية في 7 آب للكشف على سجلات الوقف ودوّن ملاحظاته على السجل حرفيًا: “… مع الخوري يوحنا طراد بدأت مرحلة جديدة في تاريخ الوقف تميّزت بالدقة والتنظيم وحسن الإدارة. فقد جرى ترقيم صفحات السجل وتبويبها وتدوين المداخيل بأرقام واضحة مع ذكر تواريخها باليوم والشهر والسنة ووجهة الدخل بالتفصيل. كما جرى جمع المداخيل في أسفل كلّ صفحة بالأرقام والحروف ونقلها إلى الصفحة التالية. وهكذا ضبطت بشكل كامل المداخيل التي راحت تتزايد…”

   وفي زيارة لاحقة وأخيرة في 15/ 3/ 1947 عاد الزائر البطريركي بعد ترقيته إلى رتبة خوراسقف وأجرى الكشف الأخير على سجل الوقف الذي جاء فيه ما يلي: “جرى الحساب على وقف مار أنطونيوس البادواني باستلام وكيله الخوري يوحنا طراد بالتدقيق بقيوده فوجدت مضبوطة لا ريب فيها، وإننا نثني مكرِّرين الثناء على غيرة الوكيل ونشاطه وثقة العموم به حيث إنّه من سنة 1945 للزيارة السابقة كان مع الوقف 2093 قرشًا فأصبح معه 42662 غرشًا لا غير.”

                                        الزائر البطريركي:

                                   الخوراسقف اغناطيوس كيروز. 

1947: تزوّج أخوه الأصغر غورو في 6 شباط وسافر مع أمّه وزوجته إلى أوستراليا في 13 كانون الأوّل بعد أن باع بيت أبيه وكلّ ما بقي من أرزاقه مقابل تذاكر السفر بعد التحاق أخته كلتوم الراهبة التي اتّخذت اسم أولمب  بدير الناصرة في فلسطين وسفر أخته حنّة وزوجها إلى أوستراليا. وبعد ثلاثة أيام فقط وبعد تشجيع من مرشده وصديقه الخوراسقف كيروز نزل عند رغبة البطريرك أنطون عريضة (1863- 1955) لينضمّ إلى المجمع الشرقي مرسلًا دينيًا يتولّى خدمة الرعايا المارونية في ديار الاغتراب. وقبيل سفره أهداه الخوراسقف خاتمه الذهبيّ الذي ظلّ في إصبعه حتّى الرمق الأخير من حياته. وحمل حقيبة سفره ومشى مستذكرًا ردّ المسيح على من جاء يساله كيف يمكن الدخول إلى ملكوت السماء، فأشارعليه بأن يذهب ويطلّق امرأته ويبيع بيته ومقتناه وكلّ ما يملك وأن يحمل صليبه ويتبعه.

1949: بنى مدرسة القرية التابعة للوقف على أنقاض الكنيسة القديمة في وسط البلدة بمعاونة مطران أبرشية الجبّة عبدالله خوري الذي نجح في استصدار مرسوم جمهوري بذلك من رئيس الجمهورية الشيخ بشاره الخوري، ووفّر لها الكتب والقرطاسية وكافّة التجهيزات واللوازم المدرسية مجانًا من مغتربي القرية بعد أقل من سنة على وجوده في المهجر.

1952: أنشأ مدافن القرية العامة التي ضمت أربعة عشر مدفنًا يتّسع كلّ منها لعدد من الأضرحة في بناء من الحجر المنحوت والمزخرف من أموال المغتربين. ولا تزال هذه المدافن حتّى اليوم صالحة لاستيعاب الوفيات.

1958: بنى بيتًا للرعية ملاصقًا للكنيسة بالحجر المقصوب من طبقتين ليكون مسكنًا لخادم المذبح، ويتّسع لأي كاهن متزوج من القرية أو من خارجها، وجهّزه تجهيزًا كاملًا وجعل له بابًا يستطيع الكاهن أن يدخل منه مباشرة إلى (سكرستيا) الكنيسة.

1959: منحه قداسة البابا يوحنا بولس الثالث والعشرون في إحدى زياراته إلى الكرسيّ الرسولي رتبة خوراسقف وعيّنه عضوًا دائمًا في الحرس البابوي.

1964: سعى ونجح في حصول اللقاء الشهير الذي جمع بين صديقه الحميم ابن رعيّته رئيس الولايات المتّحدة الأميركية ليندون جونسون والبطريرك الماروني مار بولس بطرس المعوشي في البيت البيض في صورة تذكارية له معهما.

1965: عاد إلى القرية ليشرف على ترميم كنيستها بعد أن استدعى كاهن الرعية آنذاك الخوري مخائيل عكاري ليحلّ محلّه في خدمة رعية سان أنطونيو تكساس في الولايات المتّحدة. وكانت الكنيسة قد بنيت سنة 1910 على يد الخوري سمعان أبي نادر أيام البطريرك الياس الحويك. وجرى تدشينها بعد الترميم بقدّاس احتفالي أقامه النائب البطريركي على أبرشية الجبّة آنذاك المطران نصرالله صفير.

1986: عُيّن سفير شرف في معرض (هامسفيلد) الدولي في مدينة سان أنطونيو تكساس الأميركية بعد أن أمضى عشرين سنة في خدمة رعيتها.

1993: عاد إلى القرية ليحتفل بيوبيله الذهبي في 28 أيار بكنيسة القرية بحضور أساقفة من لبنان والمهجر وكهنة الجوار وجموع من سائر المناطق ضاقت بهم ساحات القرية.

2000: في مطلع تمّوز وبمناسبة عيد ميلاده الرابع والثمانين عاد إلى القرية لوضع حجر الأساس لأضخم مشروع لقريته برفقة صديقه الأميركي المطران (شارل غراهمن) الذي تبرّع بأكثر من ثلثي كلفة المشروع. والبناء مؤلّف من أربعة طوابق، الأرضي كناية عن قاعة كبرى لكنيسة الرعيّة متّصلة بالطابق الأوّل لا تقل مساحتهما عن 500 مترًا مربعًا، والطابق الثالث والرابع بناء مدرسي يحتوي على 15 قاعة تدريس إضافة إلى عدد آخر من القاعات التابعة للإدارة والنظارة والمكتبة والمختبر وأجهزة المعلوماتيّة.

2002: عاد إلى القرية لتدشين مشروع صالة الرعية والمدرسة يرافقه المطران (شارل غراهمن) والأب (براين بيلي) من الولايات المتّحدة وجرى التدشين يوم الأحد 29 أيلول بحضور البطريرك نصرالله صفير ممثلًا بالمطران نبيل العنداري ومطران أبرشية الجبّة فرنسيس البيسري والمطران جورج كويتر مطران صيدا للروم الملكيّين والأب مروان تابت مطران كندا حاليًا ونائبي قضاء بشري قبلان عيسى الخوري وجبران طوق وعدد من كهنة القرية والجوار.

    لكنّ باله لم يهدأ وعزمه لم يكلّ بعد تدشين المشروع بل سعى طيلة شهر تشرين الأوّل ونجح في إبرام عقد مع جمعيّة راهبات المحبّة برعاية البطريركية المارونيّة لإشغال الطابقين الثالث والرابع من المبنى لاستعمالها كمدرسة، والطابق العلوي من بناء الخورنيّة المجاور مسكنًا للراهبات. وجرى توقيع العقد نهار الجمعة في الأوّل من تشرين الثاني. ويوم الأحد 3 تشرين الثاني أقام الذبيحة الإلهية الأخيرة في القرية فتلا صلاة الشكر وألقى عظته الأخيرة التي جاء فيها: “منذ 59 عامًا أقمت قدّاسي الأوّل على هذا المذبح بعد سيامتي كاهنًا وأنا على وشك أن أفارقكم ولا أعلم إذا كان الله سيمُنّ علينا باللقاء مجددًا. وصيتي لكم أن تحبّوا بعضكم بعضًا كما أحبّنا يسوع المسيح، وأن تُحلّوا الصلح والسلام فيما بينكم لأنّكم أخوة في رعية المسيح. برحليون كانت رائدة في الفكر والأخلاق والدين، وكلّ واحد منكم مسؤول عن بقائها كذلك. كان حلمي أن يكون لبرحليون مركز رعوي ومدرسة يسمحان لأبنائها بأن يلتقوا معًا ليتشاركوا أفراحهم وأحزانهم ويبقوا متجذرين في أرضهم الطيبة المقدّسة. لقد شاء الله أن يتحقّق الحلم قبل رحيلي وأراه بأم العين. فأحسنوا استقبال الراهبات اللواتي سيسهرن على تنشئة أولادكم وأحيطوهنّ بالمحبّة والاحترام. والآن أطلق يا رب عبدك بسلام، لقد رأت عيني مجدك في صنائعك.”

   وبعد ثلاثة أيام ركب الطائرة إلى أوستراليا للانضمام إلى أخويه حيث أسلم الروح في فراشه قبل أن يدركه طبيب بعد أربعة أيام من وصوله.

     بطاقة تعريف  

– مواليد برحليون 4/ 7/ 1943 هاتف: 03566648

– متزوّج وله ثلاثة أولاد جانين- جان- رياض.

– تلقّى علومه الابتدائيّة في مدرسة القرية على الخوري يوحنا طراد والاستاذ يوسف نعمه.

– انتقل إلى معهد الرسل بجونيه العام الدراسي 1951- 1952. وظلّ فيه حتّى نهاية المرحلة الثانوية.

– نال البكالوريا اللبنانيّة القسم الأوّل سنة 1962 بدرجة جيد جدًا، والقسم الثاني سنة 1963 بدرجة جيد.

– انتسب إلى كلية الحقوق الجامعة اللبنانيّة سنتي 1963- 1964 و1964- 1965

– فاز بمباراة الدخول إلى كلية التربية سنة 1965 والتحق بها سنة 1966- 1967

– نال الإجازة التعليمية في اللغة العربيّة وآدابها سنة 1970، والكفاءة في اللغة العربيّة وآدابها سنة 1971

– عُيّن أستاذًا في التعليم الثانوي الرسمي في ثانوية بشري للعام الدراسي 1971- 1972 وظلّ فيها ستًا وثلاثين سنة حتّى بلوغه سن التقاعد في تمّوز من سنة 2007

– أمين سر هيئة تنسيق الأندية في قضاء بشري من سنة 1973 حتّى سنة 1975

– عضو مجموعة الثلاثين الثقافية في قضاء بشري.

– أصدر سنة 1974 دراسة بعنوان “الشركة العقاريّة في جبّة بشري” نشرت في “مجلّة الوعي” للمطران غريغوار حداد.

– عمل في حقل الدراسات الأدبيّة والفنيّة والترجمة من الفرنسية والانكليزيّة.

    الدراسات الأدبيّة: 

– شرح وتحقيق أكثر من أربعين ديوانًا لأبرز دور النشر البيروتية لكبار الشعراء العرب منذ الجاهلية حتى العصر الحديث أبرزهم عنترة والفرزدق وجرير والأخطل وابن الرومي وأبي نوّاس وأبي القاسم الشّابي.

– شرح وتعليق على آثار جبران خليل جبران الكاملة للمؤسسة الحديثة للكتاب- بيروت 1999

– نال كتابه عن أم كلثوم جائزة أفضل كتاب عنها من وزارة الثقافة الأردنيّة سنة 2000

– سجّل كتابه عن فيروز رقمًا قياسيًا في المبيعات بمعرض الكتاب للحركة الثقافية- انطلياس سنة 2000

– نال كتابه “برحليون بوّابة جبّة بشري” الصادر سنة 2008 جائزة وزارة الثقافية اللبنانيّة، وتبنّت لجنة جبران خليل جبران الوطنيّة نشره ضمن مجلد بعنوان “دراسات في تاريخ جبّة بشري”.

– قيد الطبع “برحليون بوّابة جبّة بشري” جزء2 “دراسة سياسيّة اجتماعيّة اقتصادية من بداية زمن المقدّميّة في الجبّة حتى قيام دولة لبنان الكبير”.   

spot_imgspot_img