إنطلقت أعمال المؤتمر التربوي الذي نظمته مصلحة المعلمين في “القوات اللبنانية” تحت عنوان “من أجل وحدة العائلة التربوية” في مقر الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية برعاية البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والذي إستهل بالذبيحة الإلهية وترأس القداس أمين عام المدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار وعاونه الآباء الدكاترة وليد موسى وطوني غانم وأندريه ضاهر.
وحضر القداس النائب إيلي كيروز ممثلاً رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع، وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب، الأستاذ يوسف فنيانوس ممثلاً رئيس لجنة جبران الوطنية الدكتور صالح شدياق، نقيب المعلمين نعمة محفوض، وممثلين عن الأحزاب السياسية إضافةً الى عدد كبير من مدراء المدارس والمعاهد والإدارات التربوية وحشد من الآباء والراهبات وأعضاء المصلحة.
كيروز
ثم ألقى النائب إيلي كيروز كلمة رئيس حزب “القوات اللبنانية” وفيها:
لقد كلّفني رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع أن أمثّله في حفل افتتاح المؤتمر التربوي، الذي دعت إليه مصلحة المعلمين في “القوات اللبنانية” برعاية صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عين نجم في مقرّ الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية. إن ما يجري عندنا وحولنا يطرح من جديد وبإلحاح مفهوم التربية باعتبارها مفتاح الحل لأزمات البشرية. ويأتي هذا المؤتمر في مرحلة خطيرة يمرّ بها لبنان وتمرّ بها المنطقة: إن الوضع في لبنان يتميّز بشلل الحياة السياسية وتعطيل المؤسسات الدستورية وتمدّد الحرب السورية إليه ونمو القلق المسيحي العام، كما يتميّز الوضع في المنطقة بالحروب والصراعات وانتشار دوّامة العنف وتطاحن المشاريع والرهانات. وتبرز ظواهر فكرية وسياسية مقلقة لا تعترف بالآخر وبرأي الآخر وبالتعددية. وتشكل تحدياً كبيراً يواجه المنطقة والعالم. وأضاف: “في مجتمعنا المعاصر، تبدو المشاكل المتعلقة بالهوية الأخلاقية، والخيارات والسلوك، مرتبطة بأزمة التربية. وخلف هذه الأزمة تكمن أزمة تحديد المرجعية الضرورية، التي تسمح للشخص البشري بوعي حقيقة ذاته في سلّم خياراته وقراراته الأخلاقية.في مدارسنا الكاثوليكية حُدِّدت هذه المرجعية بمثلث ذي أضلعٍ ثلاثة: الأهل، إدارة المدرسة، المعلمون.. في مجتمعنا المعاصر، تبدو المشاكل المتعلقة بالهوية الأخلاقية، والخيارات والسلوك، مرتبطة بأزمة التربية. وخلف هذه الأزمة تكمن أزمة تحديد المرجعية الضرورية، التي تسمح للشخص البشري بوعي حقيقة ذاته في سلّم خياراته وقراراته الأخلاقية.
في مدارسنا الكاثوليكية حُدِّدت هذه المرجعية بمثلث ذي أضلعٍ ثلاثة : الأهل، إدارة المدرسة، المعلمون.
I– الأهل والمسألة التربوية.
لا شكّ أن تمثيل الأهل بلجان منتخبة من قِبًلِهم يساهم في تحمل مسؤولياتهم التربوية بالتعاون والتضامن مع إدارة المدرسة والمعلمين. ومع ذلك فإن وجود مثل هذه اللجان لا يعفي الأهل من ممارسة مسؤولياتهم التربوية المباشرة تجاه أبنائهم. فالمكان الأول حيث تقوم فيه العلاقات البشرية، وحيث يبدأ الإنسان خُطاه الأولى على طريق الأنسنة، هو العائلة. لذلك فهي أول المعنيين بالمسألة التربوية. ويكون السهر على هذه المؤسسة الإجتماعية، ضرورة حتمية، للحفاظ على مجتمعٍ يقبل بالتربية طريقاً لسلامة الإنسان.
تقول “رسالة العلمانيين” في المجمع الفاتيكاني الثاني : “مسؤولية تحضير الأولاد، منذ صغرهم، لاكتشاف محبة الله للجميع، تقع على عاتق الوالدين، فعليهم بالمَثَل أولاً تدريبهم على الإحساس مع الآخرين، والإهتمام بحاجاتهم الروحية والمادية”.
وإذا كان كل عمل تربوي يقتضي تدخل الآباء بخيارات الأبناء، فهذا التدخل لا يعني أن تحل خياراتهم محل ما يختاره أبناؤهم. فإذا ما أراد الآباء أن يختار أولادهم الأمر الجيد، عليهم أن يُظهِروا هم ما هو جيّد، يعني الخيارات الملموسة الممكنة التنفيذ. وهكذا يكون الآباء قد اختاروا لأبنائهم وليس عنهم.
وهنا يُلاحَظ أن دور “الشهادة” أو “إعطاء المثل الصالح” يغلب على غيره من الأساليب التربوية.
II– المدرسة والمسألة التربوية.
صحيح أن للأهل حرية اختيار مدرسة أولادهم، حسب ما يمليه الضمير، كما يقول المجمع الفاتيكاني الثاني الذي يضيف واصفاً المدرسة بأن لها أهمية خاصة بين كل وسائل التربية. فالمدرسة، بقوة رسالتها، تنمّي القوى العقلية نمواً مضطرداً، وتُمَكّن من إعطاء الحكم الصائب، وتشجّع معنى القيم، وتُعِد للحياة المهنية، فتخلق بين الطلّاب، وقد اختلفت أخلاقهم، وتباين أصلهم الإجتماعي، روحاً من الصداقة تساعد على التفاهم المتبادل.
زِد على ذلك، أنها تؤلف مركزاً يلتقي فيه المعلمون والجماعات المختلفة الأنواع التي خُلقت لتطوّر الحياة الثقافية والمدنية والدينية، وأخيراً المجتمع الإنساني بكامله، لتتقاسم مسؤوليات سيرها وتقدمها.
III– المعلمون والمسألة التربوية.
وإنه لعبء ثقيل، كما يقول المجمع، وجميل معاً، عبء الدعوة التي دُعي إليها أؤلئك الذين تحملوا مسؤولية التربية في المدارس، أعني بهم المعلمين، كي يساعدوا الأهلين في إتمام واجبهم ويمثلوا المجتمع البشري. إنها لدعوة تتطلب مواهب عقلية وقلبية خاصة، واستعداداً بعيد المدى وهمّةً دائمة للتطور والتكيّف.
لا ينسى المعلمون أن عليهم قبل أي شيء آخر يتوقف نجاح المدرسة الكاثوليكية في تحقيق أهدافها والبلوغ الى غاياتها، كما يقول البابا بيوس الحادي عشر في رسالته “المعلم الإلهي”.
إن الدور الذي يقوم به المعلمون هو رسالة أصيلة، ضرورية لعصرنا وموافقة له بالوقت ذاته، كما يقول المجمع.
كل هذا يتناغم مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، خاصة في المادة السادسة والعشرين منه التي تنصّ على أن :
– لكل إنسان الحق في التربية…
– وعلى التربية أن ترمي الى التنمية الكاملة لشخصية الإنسان، والى توطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. عليها أن تعزز التفاهم والتسامح والصداقة بين الشعوب والمجموعات العنصرية أو الدينية…
IV– الكنيسة أم ومعلمة.
إن الكنيسة، كأم ومعلمة، بحسب البابا يوحنا الثالث والعشرين، هي الأعلى كفاءةً عبر مؤسساتها التربوية، في إعلان وتحقيق حقوق الإنسان، كما كان يتمنى ذلك شارل مالك الذي يضيف قائلاً : “كم تبدو جهودنا كلها في سبيل حقوق الإنسان شبحاً شاحباً وبائساً بالمقارنة مع المثال الإنساني الذي تحقق لنا جميعاً في يسوع المسيح. ومهما فعلنا بالنسبة الى مواثيقنا البشرية، فلا شك أنه قادر على حفظ ميثاقه معنا”.
النائب ايلي كيروز
9 تشرين الثاني 2016