قضاء بشرّي … من صُخورِهِ العنيدة إنبثقَ القدرُ صلابةً ومقاومةً في مواجهةِ الأزمنةِ الجائرة وحُكمِ المعاناةِ والحرمان. هو الذي سَكنَ الخلودُ غابة َ أرزهِ و مغارةَ قاديشا، مُردِّداً صلواتٍ تترنّح منذ دهور في أرجاء وادي القدّيسين، مُرتفِعةً إلى العلى، إلى ديار مار شربل، حاملةً إليها بركةَ مقرّ البطريركية المارونية في الديمان وأنينَ نايٍ، ذكرى من متحفُ جبران. ولكنْ … ها هو الإهمال يَضعُ هذه المنطقة خارجَ معادلةِ الإنماء: بنيةٌ تحتيّةٌ مهترئة، خدماتٌ صحيّةٌ معدومة، حركةٌ سياحيّةٌ هامدة، تراجعٌ في الزراعة والاقتصاد، ما انعكس انعداماً للاستثمارات، ونزوحاً كثيفاً سلخَ كثيرين عن أرضهم وتراثهم. إلى أن دقّت ساعة الإنتخابات النيابية! في العام 2005، أصواتُ الناخبين في قضاء بشرّي تحملُ ستريدا طوق جعجع الى سدّة النيابة وتُحمِّلها مسؤوليةَ جسيمة: وضْعُ خطةٍ إنمائيّةٍ متكاملة تهدف الى الحفاظ على الارض والانسان في قضاء بشرّي. بالتعاون مع البلديات وأصحاب الإختصاص، بادرت ستريدا جعجع إلى تحديدِ معالم إستراتيجية متكاملة ارتكزت بالدرجة الأولى على تطوير البُنى التحتية، فأسفرت جهودُ عشرةِ أعوام، مشاريعَ بقيمةِ 119 مليون دولار، تُستكمل بمشاريع أخرى بقيمة 85 مليون دولار. مشاريعُ نَسَجَت ستريدا جعجع لتحقيقها شبكةً من العلاقات الوثيقة مع الادارات الرسمية اللبنانية وصناديق التنمية العربيّة والدوليّة، وأرست قواعدَها على قيَم الإلتزام والشفافية. فأتت النتيجة على قدر عزمِها والثقةِ بها و… تنوّع حاجات المنطقة. ففي قطاع البُنى التحتيّة، بدأ إنجازُ مشروع المياه الكبير وكلفتُهُ 42,5 مليون دولار: أُنشِئت وستنشأ شبكاتٌ لمياه الشفة وآبارٌ إرتوازية تلبّي حاجة قرى القضاء الواحدة والعشرين. أسْهَمَ في تمويلها الصندوقُ الكويتيّ للتنمية العربية الاقتصاديّة. كما بدأَ تنفيذُ مشروع الصرف الصحّي انطلاقاً من الأرز على أن يُستكمل تباعاً ليشملَ كامل القضاء وتبلغَ كلفتُهُ الإجمالية 58 مليون دولار ، ستموّل الوكالة الفرنسيّة للتنميّة بمبلغ 40 مليون دولار منها . وها هو قضاء بشرّي يفقدُ صفةَ “المنطقةِ النائية” إثرَ مباشرة العمل بشقِّ أوتوستراد يصِلهُ بالكورة ويمتدُّ إلى الأرز إضافةً إلى استحداث طرقٍ إضافية وتأهيل أخرى ما يرفع إلى 58 مليون دولار قيمة الأعمال المنوي تنفيذُها. ولمّا كانت الحاجة ملِحّة، لا بل ماسّة إلى خدمات صحيّةٍ تقي الأهالي شرّ المرض وخطر الموت، خُصِّصَ مبلغ 7 مليون دولار لتجهيز مستشفى بشرّي الحكومي بأحدث التقنيات وتزويده بطاقم طبّي متخصّص وإنشاء فرعٍ له في مار ماما. من جهتها، نالت التربية والرياضة قسطاً وافراً من الدعم إذ أنشئتُ ثانويّة جبران خليل جبران الرسمية في بشرّي على أرضٍ مساحتها 10 آلاف م2 قدّمتها لجنة جبران الوطنيّة . وخُصِّصت منحٌ تعليمية سنوية ، بدأت منذ سنة 2007 الى 1285 طالباً وطالبة في المدارس الخاصة في المنطقة. يتم توزيعها على جميع الطلاب بالتساوي من دون اي تمييز او تفرقة . كما تمّ تفعيل عددٍ من الأندية الرياضية والجمعيات الشبابية ، وبالاخص جمعية ” فرصة للحياة ” لمكافحة آفة المخدرات . وبالتعاون مع مؤسسة “معكم” لتعزيز دور المرأة، نُظِمت دوراتٌ لتعليم اللغات خاصة بالنساء. وتَوَّجَت ستريدا جعجع هذه الانجازات في الحقل التربوي بما أسمته “مشروع الحلم”: إنه “بيت الطالب الجامعي “. هو مبنىً حديث في الضبيّة لطلاّب قضاء بشرّي. يستوعب 234 طالباً وطالبة وينفّذه مكتب دار الهندسة- شاعر بإشراف المهندس مارون الحلو صاحب شركة “أبنية”. تبلغُ كلفتُهُ 12,4 مليون دولار. في المجال الزراعي، أُنشئت شبكات ريّ عصرية و برك وخزانات، وستقام الصيدليّة الزراعيّة وفق معايير حديثة ومواصفات عالميّة. وعلى لائحة المشاريع أيضاً، تعاونياتٌ زراعيّة لتصريف الإنتاج وتحرير المزارع من الاحتكار. كلفة هذه المشاريع تصل الى حوالي 7,5 مليون دولار. ونجحت ستريدا جعجع، بالتعاون مع السلطات المحلية، بإعادة قضاءَ بشرّي إلى خريطة السياحة اللبنانية والعالميّة بفضل إعادة إطلاق مهرجانات الأرز الدولية بعد انقطاع دام خمسين عاماً، وإنشاء الحدائق العامة وتأهيل غابة الأرز ومغارة قاديشا ومختلف المعالم السياحيّة. زادت تكاليف هذه المشاريع على 2,3 مليون دولار. وكان للحفاظ على الوادي المقدس كمعلم أساسي للسياحة البيئية والدينية، ووقفِ المقالع والكسّارات، وإنشاءِ معمل لمعالجة النفايات على أرضٍ مِساحتُها 18 ألف م2 تمّ شراؤها بـ 653 ألف دولار من قبل اتحاد بلديات قضاء بشري . كان لكل هذه الخطوات ، وَقعَاً بيئياً إيجابياً، عزّز مكانة قضاء بشرّي السياحية. وبهدف الحفاظ على هذه الإنجازات وما سيليها، تشكّلت لجان متخصصة لمتابعة المشاريع . ففي رؤية ستريدا جعجع للعمل التنموي، أبُعادٌ ضامنة للإستمراريةِ والإستدامة، مُحدّدة ضمن خطّة متوازنة وطويلة الأمد. ومن أبرز مقوّمات هذه الخطة، تحقيق اللامركزيّة الإداريّة، بموازاة الحفاظ على الأرض والإنسان، وتعزيز فكرة الانتماء الوطنيّ لتثبيت الناس في أرضهم، وتشريع أبواب الأمل أمام الأجيال المقبلة. إنها خطةٌ، للمرأةِ فيها الدورُ الريادي والقياديّ، دورٌ نجحت ستريدا طوق جعجع بتأديتِه على أفضل وجه، فهيَ سيّدةٌ “سيّدة” في البرلمان اللبنانيّ. |