في البداية ، لا بدَّ لي من إعلانِ التضامنِ مع شعبِ غزة ومعاناتِه حِيالَ ما يتعرّض له من قصفٍ عشوائي وتنكيلٍ أدى إلى سقوطِ المئاتِ من الضحايا المدنيين، والعديدُ بينهم من الأطفال، وهو أمرٌ يستدعي التدخلَ العاجل لمنعِ استفحالِ الحربِ على غزة التي يعاني أهلُها الأمرَّين، لا سيما في شهرِ رمضانَ المبارك، شهرِ الرحمةِ والصومِ والمغفرة.
أما بعد ،
إنها الجلسةُ التاسعة التي يحضُرها خمسةٌ وستونَ نائبًا. علمًا أنهم بالفعل خمسةٌ وسبعونَ نائبًا، مع احتسابِ الغائبينَ الحاضرين على مستوى الالتزامِ بالمشاركة في انتخابِ رئيسٍ للجمهورية.
حضرنا اليومَ باسم الشعب اللبناني الذي انتدبَنا لتمثيله، حضرنا محترِمينَ الثقة التي أولانا إياها، ولذلك نحن نحضُرُ باسمِه وليس باسمِنا الشخصي.
لقد انتظرنا جلسةً، جلستين، ثلاثَ جلساتٍ وأربعًا وخمسًا وستًّا وسبعًا وثمانيَ جلساتٍ، وصولا ً إلى التاسعة اليوم.
تسعُ جلساتٍ منذ تاريخِ الجلسةِ الأولى في 23 نيسان، أي قبل نهايةِ ولاية الرئيس ميشال سليمان بشهرٍ ويومين، وانتظرنا في الجلسة الثانية بتاريخ 30 نيسان ثم 7 أيار و15 أيار و22 أيار، وانتهت ولاية الرئيس، وها نحن قد وصلنا إلى التاسعة، وهي الرابعة في ظلِّ الشغورِ في رئاسة الجمهورية.
نعم لقد مضى شهران تقريبًا على الشغور الرئاسي وما زلنا ننتظر.
والسبب، هو أنّ هناك فريقًا من النواب لا يحترمُ إرادةَ الشعبِ اللبناني الذي انتخبه، والدستورَ الذي بموجِبه تمّ انتخابُه، هذا الفريقُ الذي يُعطلُ الإستحقاقَ الرئاسي، وكأن المسألة ترتبط بحساباتٍ سياسية خاصة وضيّقة، ولا علاقة لها بالمصلحةِ الوطنية العليا ومصالحِ جميعِ اللبنانيين.
إن الإستحقاقَ الرئاسي جوهريٌ ومِفصليٌ بالنسبة للدولة اللبنانية على الصُعُد الوطنية والدستورية والميثاقية، لأن رئيسَ الجمهورية هو رأسُ الدولة، ولأن وجودَه مهمٌّ مَعنويًّا للمسيحيين وبالتالي لجميع اللبنانيّين، كونُه يؤمِّن التوازنَ في السلطة، ويملأُ المركزَ الأول في الدولة ، كساهرٍ على تطبيقِ الدستور ورمزٍ للوحدة الوطنية.
وهنا، اسمحوا لي أن أفتحَ هِلالَين لأستنكرَ أشدَّ الإستنكار ما جرى ويجري في العراق، وتحديدًا لمسيحيّي المُوصِل الذين خُيِّروا بين اعتناقِ الإسلام أو دفعِ الجزية أو الموت، وإلا مغادرةَ بيوتِهم وكنائسِهم في المدينة التي يتواجدون فيها منذ فجرِ المسيحية من دونِ انقطاع.
إنه أمرٌ مخزٍ ولا يَليق بالإنسانية في مطلعِ القرنِ الواحدِ والعشرين، وهو لا يعكس في أي حالٍ حقيقةَ الدينِ الإسلامي ولا أيَّ دينٍ آخر. ومن هنا، أُحمَّل من جديد، وفي ظلِّ المرحلةِ الدقيقة التي تمرُّ فيها المنطقة ومسيحيّوها كما مسلموها، الفريقَ المسيحيَّ الآخرَ في لبنان مسؤوليةَ المخاطرِ المترتبة على عرقلةِ الإستحقاقِ الرئاسي. وأقول له: بدلاً من أن ننتخبَ رئيسًا في هذه المرحلة الحساسة للمحافظة على أبرزِ وآخرِ مَعقِلٍ يجسِّدُ العيشَ المشتركَ الحقيقي في منطقةِ الشرقِ الأوسط، يتولّى هذا الفريقُ الذي يرفعُ شعارَ الدفاعِ عن حقوقِ المسيحييّن، نسفَ هذا الإستحقاق، لأن لا حظِّ له في الوصولِ إلى الرئاسة ولا بدّ لي في ظلَّ الظروفِ الإقليمية الراهنة وما يحصلُ في سوريا والعراق، وما نشهَدُه في لبنان من افتعالٍ للشغورِ في رئاسةِ الجمهورية أن أستذكرَ ما قاله سماحةُ العلّامةِ الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين، لقد قال: الحقيقة أن مبدأَ اعتبارِ لبنانَ وطنًا نهائيًّا لجميعِ أبنائِه، قد وُضِعَ ليسَ استجابةً وترضيةً للمسيحيّين فحسب، بل كانَ ضرورةً للاجتماعِ اللبناني وبقاءِ كيانِ لبنان، وذلك ليس لمصلحةِ لبنانَ وشعبِه فقط، وإنما لمصلحةِ العالمِ العربي في كثيرٍ من الأبعاد، وحتى لمصلحةِ جوانبَ كثيرةٍ من العالم الإسلامي، ونحن نمرُّ في حقبةٍ تاريخيةٍ مفصليّة تتعلقُ بقضايا التنوّعِ والتعدُّديةِ السياسية، هذا بالإضافة إلى ضرورةِ وجودِ المسيحيين وفاعليَّتِهم في لبنان.