بقلم المطران جوزيف نفّاع
سنة مضت، بآلامها وصلبانها. ونعم كثيرة فاضت علينا من كرم الله ومن خير إخوتنا المنتشرين. صعبة كانت. تحمّلناها على أمل أن لا تطول وأن تشرق من مشارفها “شمس الفرج”. رغم خيباتنا المتكرّرة، ما زلنا نقاوم. ويقاوم معنا أهلنا المنتشرون، وقد شدّتهم المحنة إلى وطنهم الأمّ، ورسّخت بشكل غير مسبوق أواصر المحبّة بين جناحيّ لبنان: المقيم والمنتشر.
قد نشعر أنّنا اليوم عالقون في “عنق الزجاجة”، يخنقنا. ورغم كلّ شيء، يفاجئنا واقع أنّ موسم هذا الصيف واعدٌ. فبشكل غير مسبوق، قرّر اللبنانيّون المنتشرون زيارة أرض الوطن بأعداد كبيرة، ملأت الحجوزات كافةً. حتّى أنّ من غابت وجوههم لسنوات، نراهم يحزمون الحقائب “للحجّ” إلى هذه الأرض المباركة.
إنّ قدومكم أيّها الأخوة الأحبّاء جعل الشمس تُشرق من جديد، “شمس الأمل”. أعدتم إلينا الثقة أنّ هذا البلد، لبنان، قيمة لا تُمحى. فهو يستمرّ نابضًا في قلوبكم وعروقكم، رغم بُعد المسافات ورُغم السنين الطويلة التي مرّت. لا نُنكر أنّ قدومكم هو دعم اقتصاديّ حقيقيّ للبنان ولأهله. بتّم أنتم أهمّ “عجلة اقتصاديّة” لهذا البلد، بعد التدمير الممنهج لأهمّ قطاعاته. بتنا ننتظركم، على أحرّ من الجمر. للأسف، وصل بنا الحال أن نأخذ منكم، دون أن يكون بين أصابعنا ما يمكننا أن نقدّمه لكم.
لكنّ الحال أنّنا نقدّم لكم “لبنان”، سعينا ونسعى أن نحافظ عليه. ومعكم، لن نتوقّف يومًا عن ذلك. ولذلك، نريد أن تكون زيارتكم هذه أكثر من مجرّد رحلة أو فرصة. فحتّى على المستوى الاقتصاديّ، نرى أنّ هذا الحدث الصيفيّ هو عابر: أيّام جميلة جدًّا. إنّما، ومع غياب “شمس الصيف”، نعود إلى “الشتاء”، بلونه الرماديّ… وصقيعه.
هل يمكننا أن نجعل من هذا الحدث، قدومكم إللى أرض لبنان، حدثًا له دلالات مستمرّة، وله أثر قادر على تغيير واقع الحال؟
بالحقيقة إنّ الدافع الذي جعلكم تقومون بهذه الخطوة هو “الجوهر الأساس”: إنّه إيمانكم بلبنان. إيمان ببلد ليس مجرّد أرض أجداد، بل هو أرض رسالة، على ما قاله لنا البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني. نعم، هذا ما يشدّنا كلّنا إلى هذه الجبال الخضراء وإلى أرزاتها الشامخات، ووديانه المقدّسة. من يجهل هذه الحقيقة الساطعة؟ أنّ لبنان هو أرض القدّيسين. من جبلنا خرج شربل. ومن أرضنا بزغ نور رفقا والحرديني والأخ أسطفان، والسيل لا يتوقّف، من سنة إلى سنة، من قدّيس إلى قدّيس جديد. هذا السيل يجب أن يغمرنا كلّنا بالوعي أنّ الله اختارنا لنكون قدّيسي هذا الشرق. رسالتنا، وإن كانت صعبة، ولكنّها مقدّسة. وتاريخنا يشهد أنّ الربّ لم يتخلّى عنّا يومًا، وإلاّ لما بقينا هنا.
إنّ شمس لبنان الحقيقيّة، وشمسه المميّزة هي يسوع “نور العالم”. فلينظر اللبنانيّ المقيم أنّه يسكن في أحضان الربّ. هو ليس مواطنًا في واحد من أسوء بلدان الأرض، بل من أقدسها؛ وإن كان البلد اليوم مسمّرًا على الصليب. وليعلم المنتشرون أنّ قدومهم إلى لبنان هو بالحقيقة حجّ مقدّس. فهو إعلان صريح عن إيمانهم برسالة لبنان. هو إذًا إعلان عن إيمانهم بالربّ يسوع الذي اختار أرضنا وسلّمنا هذه الرسالة. قدومهم هو إعلان عن إيمانهم أنّ رسالة يسوع المسيح حيّة اليوم وإلى الأبد.
هذا الإيمان هو ما نحتاجه كلّنا في هذا الأيّام الدقيقة. فلنجعل من صيفنا هذا أيّامًا نمضيها، ليس فقط تحت أشعّة شمس هذا الصيف، بل صيفًا نمضيه تحت أنوار يسوع “شمس الحقّ”، الذي اختار لبنان لهذه الرسالة الفريدة والمميّزة.
بروك لصاحب السيادة المطران جوزاف النفاع
مهمة جديدة اوكلت الى النائب البطريركي على نيابتي الجبة واهدن المطران جوزاف النفاع، فقد تمّ تعيينه عضواً في الرابطة الكتابية الكاثوليكية في الفاتيكان، المسؤولة عن راعوية الكتاب المقدس. لذا، نتمنى لصاحب السيادة كل التوفيق في مهمته الجديدة.
