أعطت الكنيسة بطريركين ، وجبرائيل البلوزاني مؤسس الرهبنة الانطونية
لكل بلدة من بلدات جبة بشري ميزة معينة، وتاريخ يستحق منا التوقف عنده، لانه غني بالرجالات والاثار وبالطبيعة الخلابة. والجبة، تشكل وحدة جغرافية وتاريخية، ومصير أبنائها واحد. وفي هذا العدد سنلقي الضوء على بلدة بلوزا، بلدة اللوزالاخضرالمطل على عمق وادي قنوبين المقدس، وبلدة البطريركين شمعون وجبرائيل، ونستذكر بعض رجالاتها في الكنيسة والوطن.
بلوزا بلدة من بلدات جبة بشري ، وبحسب المراجع التاريخية ، فقد بلغ عدد سكانها الذكور البالغين بداية القرن الخامس عشر، ستة رجال. وفي احصاء عام 1571ارتفع عددهم الى 12. (خليفة عصام ، ابحاث في تاريخ شمال لبنان في العهد العثماني ، 1995 ، ص 79 ) . أما أصل التسمية ، فيعني بحسب الخوري يوسف يمين ” بيت عشتروت ” ، ويتألف من حرف الباء، اي ” بيت “، ومن ” لوزا” وأصلها مصرية، وتعني ” عشتروت “. لكن يجمع أكثر من مرجع تاريخي، أن معنى تسمية بلوزا هو ” مكان اللوز ” ، وهي كلمة مشتقة من السريانية وتعني: “Bet Lûza ” .
بلوزا أرض البطريركية المارونية والوجوه المشرقة في الكنيسة
بلوزا تعج بالكهوف والبيوت الاثرية، و أرضها بمعظمها هي ملك للبطريركية المارونية ، والاهالي شركاء معها، فيها ثلاثة كنائس، أقدمها مغارة القديسة بربارة ، والتي تعتبر من أقدم مراكز العبادة والنسك في الوادي المقدس . وكنيسة القديسين الشهيدين سركيس وباخوس، وكانت قديما ً كنيسة الرعية ، وهي اليوم مندثرة، ولا تزال آثارها بادية للعيان في محلة مقابر البلدة. وكنيسة القديس سابا، شفيع الرعية، والتي يعود تاريخ الانتهاء من بنائها الى 6 تشرين الاول سنة 1900، كما هو مدون في محفوظات كنيسة الرعية في بلوزا. ويذكر الاب شربل أبي خليل في كتابه ” البطريرك جبرائيل البلوزاني ( 1630- 1705 ) ، نقلا عن كتاب الاب ابراهيم ، حرفوش، ” دلائل العناية الصمدية في ترجمة منار الطائفة المارونية “، 1935، ما جاء على لسان البطريرك الياس الحويك حول هذا الموضوع بقوله : ” … اشتريت قطعا ً صغيرة في طرف قرية بلوزا، وضممتها الى أملاك الكرسي فيها ، وبعت وطا حدشيت…. وهذا البيع ساعد على بناء الصرح البطريركي في جديدة قنوبين وعلى انجاز بناء كنيسة بلوزا، لعجز الشركاء عن اتمام بنائها .
على صعيد آخر، أعطت بلوزا خلال تاريخها، العديد من الوجوه المشرقة في الكنيسة، نذكر منهم :
البطريرك شمعون ( 1245-1277 )
اتخذ مقـر اقامته في ايليج ويانوح ويذكر الدويهي في كتابه ” تاريخ الازمنة ” : ” … وفي عهده انتزع المسلمون انطاكية من الصليبيين، فالتجأ صليبيو المدينة الى لبنان ، وبهذه المناسبة أرسل البابا اسكندر الرابع ولويس التاسع ملك فرنسا، رسائل الى الموارنة تعبيرا ً عن شكرهما “.
البطريرك جبرائيل البلوزاني ( 1630-1705 )
ولد في بلوزا سنة 1630 ، وسماه والده الشدياق يوحنا رزق . سنة 1644 قصد رزق دير مار انطونيوس – قزحيا ، ولبس الاسكيم ودعي جبرائيل. ثم انضم الى قافلة الرهبان الموارنة، وأصبح واحدا ً من أبناء القديس أنطونيوس أبي الرهبان . سنة 1650 رسمه البطريرك يوحنا الصفراوي كاهنا ً، وسنة 1663 رقاه البطريرك جرجس السبعلي الى الدرجة الاسقفية ، وعينه على الاسقفية الحلبية، وهو أول أسقف ارتسم على أسقفية حلب وبقي فيها احدى وأربعين سنة. بعد وفاة البطريرك اسطفان الدويهي سنة 1704، خلفه المطران جبرائيل البلوزاني، وأقام خلال فترة بطريركيته القصيرة التي لم تتعد السنة، في دير سيدة الانتقال في قنوبين.
أهم أعماله وانجازاته خلال حياته الكهنوتية
لا سبيل هنا للدخول في تفاصيل حياته الكهنوتية، لكن سنتوقف عند أبرزها ، فبضل جهوده، اطلق المدرسة المارونية في حلب، كما أسس نواة المكتبة المارونية في حلب، وعززها بالمخطوطات. ويعتبر المطران البلوزاني مدرسة في نسخ الكتب الطقسية، وأحد أهم النساخ الموارنة في أواخر القرن السابع عشر ( الاب شربل أبي خليل ، ص 62 ) أنشأ دير سيدة طاميش سنة 1673، ليكون كرسيا ً لابرشيته، ونموذجا ًللحياة الرهبانية المتجددة. وبعد أن درّب رهبانه مدة طويلة على السيرة الرهبانية الشرقية، أرسل النخبة منهم، أمثال الخوري رزق الله السبعلي، والقس بطرس البزعوني، أولا، ثم رئيس ديره الخوري سليمان الحاجي المشمشاني، والقس عطا الله الشبابي، وموسى البعبداتي ثانيا ً ليجددوا دير مار أشعيا، القائم على تلة عرمتا في تخوم كسروان. بين منتصف القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر شهدت الكنيسة المارونية مشروعا ً رائدا ً في الاصلاح الرهباني بمبادرة من المطران البلوزاني، أدت الى ولادة الرهبنة الانطونية المارونية.
تجدر الاشارة الى أن بلوزا أعطت الاساقفة :
– يوسف البلوزاني، ( 1626– 1663)، الذي عين على اسقفية بيروت، ثم نقل الى مدينة حلب، عام 1650.
– ميخائيل الاول، رقاه عمه البطريرك جبرائل البلوزاني الى الدرجة الاسقفية، خلفا ً له، على أسقفية حلب المارونية، بتاريخ 6 تموز سنة 1704. توفي عام 1725.
– ميخائيل الثاني، رقاه البطريرك يعقوب عواد الى الدرجة الاسقفية على بانياس، عام 1733، وكان من آباء المجمع اللبناني المنعقد في دير سيدة اللويزة، عام 1736. بالاضافة الى أجيال من الكهنة والرهبان والراهبات لا سبيل لذكرهم هنا.
مطحنة بلوزا القديمة
يعود تاريخ هذه المطحنة الى العام 1947، وكانت تعرف ياسم ” طاحونة المختار مارون “. كانت تعمل على المياه، ثم تحولت الى المازوت، ومن بعدها الى الكهرباء. كانت هذه المطحنة تحول القمح الى طحين، والى برغل، وكانت تطحن حبوب الذرة، ومع الوقت توقفت عن العمل، بسبب الالات الحديثة التي أصبحت تستعمل في هذا المجال.
عائلات بلدة بلوزا
تضم بلوزا العائلات التالية وما يتفرع منها : يونس، الطقشي، الطبجي، وهبه،الخوري، الحصاراتي، مناسا، الزغير، الشدياق. ويبلغ عدد سكان المقيمين اليوم حوالي 450 نسمة ، أما المغتربين، والموجود معظمهم في اوستراليا، فعددهم حوالي ستة آلاف نسمة. يذكر أن أول مهاجر من بلدة بلوزا الى اوستراليا بحرا ً كان السيد حبيب الخوري، وذلك سنة 1949. وهناك بعض المهاجرين من البلدة الى الولايات المتحدة الاميركية والارجنتين وفنزويللا، وذلك قبل وقوع الحري العالمية الاولى .
رجالات من بلوزا
في عالم الاغتراب، هناك العديد من الاطباء، منهم الدكتور حميد مناسا، وفي أميركا رجل أعمال شهير يدعى ريتشارد الشدياق، ويشغل منصب رئيس مجلس ادارة مستشفى سان جود، وشقيقه توم الشدياق، هو مخرج سينمائي مشهورفي هوليوود. في سيدني – اوستراليا، أسس أبناء بلوزا، سنة 1957، ” جمعية نجمة لبنان ” ، وهذه الجمعية تهتم حتى اليوم بالشؤون الانمائة في البلدة. وفي اوستراليا، وبالتعاون مع الجمعية، أنشأ الخوري أنطوان الشدياق، أول جريدة لبنانية باللغة العربية، اسمها ” جريدة القمر “. اما في لبنان، فهناك العقيد الياس الطبجي في قوى الامن الداخلي، والعقيد سمير الياس في الجيش اللبناني .
صحيح أن تسمية بلدة بلوزا يعود في الاصل الى مكان اللوز، لكن اليوم، الانتاج الزراعي يقوم على التفاح والاجاص وبعض المزروعات بالدرجة الاولى.
وكما سائر بلدات القضاء، فان نزوح الطاقة الشبابية والاهالي الى الساحل اللبناني،أو الى بلاد الاغتراب، هو جرح مفتوح في جبة بشري، يأمل الجميع بمسعى من نائبي المنطقة، والقوات اللبنانية، وحتى الكنيسة ، أن يضعوا حدا ً لها، من خلال مشاريع وفرص عمل تحد من هذه الظاهرة.