spot_img

ذات صلة

جمع

مهرجانات صيف قنات 2024

ككل سنة تتحدى لجنة مهرجانات قنات الأوضاع الصعبة، وتحرص...

مهرجان الطفل في بشري: منصة ترفيهية للأطفال والعائلات

يُعد مهرجان الطفل في بشري ، الذي انطلق قبل...

في عيد القديس شربل… البطريرك الراعي : ” لبنان أرض قداسة وليس أرض حروب ونزاعات وقتل”

توج البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي احتفالات...

ثلاثيّة غيّرت التاريخ

بقلم المطران جوزيف النفاع

من منّا لم يقف متهيّبًا أمام هذه الأيام الثلاثة الهائلة، نسمّيها “الثلاثيّة الفصحيّة”: جمعةٌ عظيمة، سبت نور، وعيد كبير. تتسارع فيها الأحداث من مساء خميس الأسرار إلى منتصف الليل، يُدخلنا في القيامة المنتصرة على الموت. أيّام يمتزج فيها الفرح مع الألم في لقمة واحدة. حلوها أشهى من العسل ومرّها علقم مميت. تتهلّل الكنيسة فرحًا يوم الخميس الذي فيها أسّس الربّ سريّ الافخارستيا والكهنوت. ونُصاب بالحربة مع جرح الربّ الممدود على خشبة العار. وفي السبت يفيض نور القيامة، مُكسّرًا ختم الحجر وفاتحًا باب القبر. ولكن، ومع فرح القيامة المجيدة نسمع الرسل يتهامسون غير مصدّقين: “أين هو؟ من أخذه؟”

لم يتمكّن العقل البشريّ المحدود من أن يفقه هذه المفاهيم التي تفوق كلّ إدراك. كيف للمخلّص أن لا يخلّص نفسه؟ لماذا الموت؟ لما كلّ هذا الذلّ؟ ماذا علينا أن نفهم؟ ماذا علينا أن نتعلّم؟

قد نتفاجأ نحن. إلا أنّ الربّ يسوع لم يخفى عليه أيّ شيء، ومنذ اللحظة الأول. ألم يخبرنا مسبقًا، ولثلاث مرّات، أنّه لا بدّ له أن يتألّم؟ لا بل رأيناه يُسلم ذاته لإرادة الآب، في صلاته في بستان الزيتون: “ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت… لتكن مشيئتك” (متى 26: 39-42). فما هي هذه الإرادة الإلهيّة؟

لقد أوضح لنا يوحنّا الإنجيليّ “سرّ هذه الثلاثيّة” بكلمات قلائل، افتتح بها خبر العشاء الأخير، قائلاً: “إذ أحبّ خاصّته الذين في العالم، أحبّهم حتّى المنتهى” (يو 13: 1). لم يبحث يسوع عن الموت، بل بحث عن “خاصّته” الممزّقين بالحقد والكراهية والأنانيّة والتفرقة. هو تجسّد من أجلهم: : “لم آت من أجل الأبرار بل من أجل الخطأة” (لو 5: 32). أتى إليهم، عالمًا أنّهم سوف يقتلوه؛ لذلك هو “أحبّهم حتّى المنتهى”. بحث عنهم، تبعهم من مكان إلى مكان. هم لم يأتوا إليه. بل أرسلوا الجنود يقبضون على من أحبّهم.

تأمّل الآباء القدّيسون بالصليب كعلامة على الحبّ الذي لا حدود له: على الصليب، فتح الربّ يسوع يديه ليضمّ العالم بأسره. لم يفتحهما للموت بل للحبّ. هذا ما قاله في عشائه الأخير عن جسده الذي سيُكسر ودمه الذي سوف يراق “عن الكثيرين”. ليس فقط عن الرسل الحاضرين، بل عن كلّ من سوف يتقبّل عناق الحبّ من اليدين المفتوحتين على الخشبة. لذلك رتّلت كنيستنا في ليتورجيّة هذا اليوم العظيم، قائلةً: “عانقي عود المصلوب بيعة الفادي المحبوب”. هي تجاوب على عناقه لها بعناقها لصليبه. وفي صباح الأحد، حطّم يسوع أبواب القبر، لا ليحرّر ذاته، فهو “القدّوس الذي لا يموت”، بل ليحرّرنا نحن، أحبائه، فاتحًا لنا باب الملكوت.

هذه هي إذًا ثلاثيّة الحبّ الإلهيّ، “وحدت السماء مع الأرض”، لتوحّدنا نحن كأخوة وأبناء لله أبينا. فالربّ القائم يدعونا إذًا أن نعيش هذه الوحدة في ما بيننا اليوم، كجواب حقيقيّ على قيامته. تفرقتنا تُفقد الفصح معناه وأهدافه. تجرّده من فرحة العيد وتجعل المسيح يموت ألف مرّة كلّ يوم.

هل يمكن أن نترك هاتين اليدين الإلهيّتين مسمّرتان على صليب العار؟ هي هنا لتضمنّا كواحد. هل يمكن أن نترك الأختام تقفل باب القبر إلى الأبد؟ قام المسيح في التاريخ. ولكنّه يريد أن يقوم في قلب كلّ واحد منّا. الختم الأصعب هو “ختم قلوبنا” الذي يقفل الباب أمام الأخوة. اليوم هي فرصة متاحة أمامنا أن نعيد وصل كلّ جسر مقطوع وأن نفتح كلّ باب موصد. العيد فرحة تساعدنا على المصالحة وتصفية القلوب. العيد يدعونا أن نجعل القيامة حقيقيّةً فينا وفي كلّ من حولنا. إذا استطاع هذا العيد أن يحقّق هذه “المعجزة”، معجزة المصالحة، سوف نصرخ كلّنا بالصوت الحيّ، ويصرخ العالم معنا: “المسيح قام، حقًّا قام، ونحن شهود على ذلك”.

spot_imgspot_img