أنا حيّ مثلك، وأنا واقف الآن إلى جانبك؛ فاغمض عينيك والتفت؛ تراني أمامك». أوصى جبران أن تُكتب هذه الكلمة على قبره بعد وفاته، والجملة مكتوبة في متحفه في «موطن قلبه» بشري. كيفما التفتَ في السفارة الأميركية في لبنان مساء أمس تراه حيّاً، في لوحاته، في الصور، في المنحوتات… وفي أعين الحاضرين وقلوبهم.
شخصيات سياسية وثقافية وإعلامية ودبلوماسية تجمعها حكمة جبران خليل جبران، اجتمعت مساء أمس في السفارة الأميركية للاحتفاء بالأديب والمفكر والفيلسوف اللبناني الأميركي بمناسبة إصدار موسوعة توثّق أعمال جبران وتؤرّخ حياته ما بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية بتفاصيلها الدقيقة.
وجهُ جبران
إبن بشري موطن قلبه وموطن الجمال، تقمّص كما كان يؤمن في الوجوه المختلفة الحاضرة في السفارة الأميركية لتتذكّرَه وتحتفي به وتعبّر عن فخرها أنها من موطن جبران.
قبل أن تلقي السفيرة اليزابيت ريتشارد كلمتها التي أكّدت فيها على أهمية التواصل الثقافي بين لبنان والولايات المتحدة، مؤكّدة على استمراره، أحسّ الحاضرون أنّ روح جبران تلفّهم جميعاً في السفارة الأميركية في عوكر، من خلال صور من مجموعة زياد رحمه، وصور عن لوحات جبران قدّمها متحف جبران خليل جبران في بشري خصيصاً لهذه المناسبة ومنحوتات لرودي رحمه مُستوحاة من فلسفة وكتابات جبران، إضافة إلى العزف الحيّ لرباعي شرقي من طلاب الكونسرفتوار الوطني.
وجهُ جبران الذي يحمل حكمته وإنسانيّته وغوصه في أعماق كلّ ما في البشرية والإنسانية، نحتته يدُ الفنان التشكيلي ابن موطن جبران رودي رحمه.
منحوتة وجه جبران، عُرضت للمرة الأولى أمس، حيث استقبلت الضيوف في حديقة السفارة مع مغيب شمس «السماء الواحدة». وفي حديثٍ لـ«الجمهورية»، يشير رحمه إلى أنّ المنحوتات الثلاث الأخرى المعروضة في السفارة مستوحاة من كتابات وفلسفة جبران وترجمة لها. ويشرح أنه حاول التعبير في منحوتة وجه جبران، عن جبران الذي غاص في معرفة البشرية وفلسفتها ودياناتها، الذي شدّد على توحيد هذه الديانات أمام الله الواحد الأوحد.
نقل رحمه في منحوتته شفافية الحكمة بعيني جبران، مُشيراً إلى تركيز جبران عبر كتاباته على الانفتاح على الديانات التي تحوي الخير والبركة والتوحيد للسلام العالم. ويشدّد رحمه على أنّ هذه كانت كلمة جبران، «الكلمة الحرة التي تبني أوطاناً». من هنا تشعر أنّ أجنحته لم تعد من هذا العالم.
موسوعة جبران
عُرضت أيضاً خلال الاحتفال التحية لجبران خليل جبران في السفارة الأميركية موسوعة «Gibran K. Gibran- Alive»، (جبران خليل جبران – أنا حيّ) الصادرة باللغة الإنكليزية، للباحثة جمانة بوفخرالدين بالعمل والتنسيق مع لجنة جبران خليل جبران الوطنية وإنتاج «دار المؤلف». تتألّف الموسوعة من كتابين وبطاقات بريدية لرسومات جبران.
تطلّب هذا الكتاب التوثيقي ثلاث سنوات ونصف السنة من البحث والعمل، وهو عمل توثيقي لحياة وأعمال جبران خليل جبران، فـ»الموسوعة تؤرّخ كلّ أعماله»، تشرح مؤلِّفة الموسوعة في حديثٍ لـ»الجمهورية». وتلفت بو فخرالدين إلى أنها اعتمدت بعملها على 220 مرجعاً، وأنّ الموسوعة التي وُزّعت في لبنان، والتي ستتواجد قريباً في دول العالم، تؤرّخ حياة جبران خليل جبران بكل تفاصيلها، فهي توثّق حتى «كم مرّة وقع في طفولته».
نتعرّف من خلال الموسوعة الى أفكار وروحية جبران، والى أفكاره عن الحياة وعن الموت وعن التقمّص، ونتطلّع على حياته العاطفية وعلاقته بالمرأة. وأشارت بو فخرالدين إلى أنّ أهمية جبران أنه إنسان راقٍ وأنّه متجذّرٌ في بشري ويفتخر بجذوره، ولم ينكر أصله مرّة. كما أنّه مسيحي ويفتخر بمسيحيّته ولكنه أخذ أفكاراً كثيرة من الإسلام ومن أديان متعدّدة.
سميث
وعن إقامة هذا الاحتفال تشير الملحقة الثقافية في السفارة الأميركية في بيروت كريستين سميث في حديثٍ لـ»الجمهورية»، إلى «أننا نحتفل اليوم بأعمال جبران خليل جبران لأنه رمزٌ للعلاقة العميقة بين الولايات المتحدة الأميركية ولبنان، ونحن كأميركيين نؤمن بتعزيز «دبلوماسية الناس إلى الناس» من خلال كل النشاطات التي نرعاها، وقدرة جبران على مدّ الجسور بين الثقافتين تشير إلى أهمية الدور الذي يلعبه التراث الثقافي في بناء الجسور بين البلدين».
وإذ تلفت إلى «أننا كأميركيين نقدّر التراث الثقافي اللبناني»، تشير إلى «العمل مع لبنان من خلال برامج ثقافية كثيرة وإلى المساعدة في الحفاظ على التراث اللبناني من خلال البرامج والنشاطات التي ننظّمها».
ترى سميث أنّ «الفنّ جزءٌ من العلاقات الدبلوماسية»، وتعتبر أنّ «تعزيزَ العلاقات الثقافية بين الولايات المتحدة الأميركية ولبنان سيؤدّي إلى تعزيز العلاقات بين البلدين بشكلٍ عام»، مشيرةً إلى أنّ «أعمال جبران إثباتٌ على كيفية جمع الثقافات».
ريتشارد
أمّا السفيرة الأميركية في بيروت اليزابيت ريتشارد فتلفت في كلمتها خلال الاحتفال بجبران، إلى «بيروت آرت ويك» الحدث الثقافي الفنّي المُقام في بيروت، وتُعلن أنها أحبّت أن تستغلّ مناسبة إقامة هذا الأسبوع، لتسليط الضوء على «أحد فنانينا المفضّلين وأهم فناني القرن الماضي جبران خليل جبران».
تركّز ريتشارد على أنّ «جميع أعمال جبران من الكتابات والأشعار إلى اللوحات شكّلت مادةَ وحي للأجيال وهو مثال على ما يجمع الشعبين الأميركي واللبناني»، مشيرةً إلى أنّ «المناسبة التي تجمعنا الليلة (أمس) دليل على ذلك. وإذ تعبّر عن سعادتها بتزيين منزلها بهذه الأعمال الفنّية الرائعة المستوحاة من أفكار جبران، تشير إلى ضرورة التركيز على الفن والثقافة إلى جانب الأمور الأخرى السياسية والأمنية والاقتصادية».
تلفت السفيرة الأميركية إلى أنّ «هذا الحدث يأتي في إطار الحفاظ على التراث الثقافي الموجود في لبنان»، وتعتبر أنّ «هذا التراث ليس للبنان فقط بل للعالم أجمع، ونحن كسفارة أميركية لدينا مسؤولية في هذا الإطار، لذلك لدينا لغاية الآن 16 برنامجاً ثقافياً ونقوم بنشاطات ثقافية بالتعاون مع وزارة الثقافة اللبنانية». وتؤكّد ريتشارد على «استمرار التعاون الأميركي اللبناني»، وتقول: «بالعمل معاً نكون أفضل معاً».
رئيس لجنة جبران الوطنية
من جهته، يشدّد رئيس لجنة جبران الوطنية طارق الشدياق في كلمته على أهمية الموسوعة الصادرة عن جبران، التي تضمّ وثائق ومجموعة كبيرة من الصور. ويعتبر أنها الموسوعة الأولى من نوعها عن جبران خليل جبران في الانكليزية، وأنها تتضمّن معلومات عن جبران تُكشَف للمرّة الأولى فهي تتناول كلّ مرحلة من حياته، وتُعتبر رحلة في حياة جبران وجمال حكمته.