” مهرجانات الارز الدولية ” هي نقطة تحول استثنائية حضارية ووجدانية في منطقة بشري. انها تعني الكثير لنا، ليس فقط، وحصرا بسبب مستواها الفني والتنظيمي العالي، بل لأنها اعادت الى شرايين منطقتنا المتعبة حيوية ونضارة. هذه المنطقة التي دفعت طوعا واختيارا، ثمن كرامتها الوطنية، يوم كان اهلها غارقين في هموم الوطن الكبرى، ومسائل الوجود والبقاء. فحرمت وعوقبت وهي تستحق الكثير من ضوء الحياة من مثل ما اضفى هذا الحدث على اجوائها. ولست في معرض الكلام السياسي او التاريخي، او بصدد الاشارة الى التحول الذي أجراه الدكتور سمير جعجع في المنطقة، كجزء من التحول الذي يجريه في البلد، كما أنني لست ايضا ً بمعرض الاشادة او الشهادة، وهي لزوم ما لا يلزم، بما حققته النائب ستريدا جعجع للمنطقة بكثير من الدقة والحرفية والتحدي.
فـ”مهرجانات الأرز الدولية ” وإن جاءت في هذا السياق، هي استثناء بأبعاد مختلفة، وطنية وانمائية وسياحية واقتصادية ومعنوية. وبحسب رأي الكثيرين، فتقييم مهرجانات الارز وتصنيفها بات ينظر اليها على انها مشروع قيم وايمان بالوطن، يجسّد توقعات وطموح القيمين عليه. كما ينظر اليها أيضا ً على انها فعل ايمان بالفرح المعطوف على الاصالة الحيوية وعلى الطموح بالحياة والعطاء. مهرجانات الارز، هي علامة مضيئة على جبل الرب، حيث رمزية الشجرة الصامدة، والاتجاه العامودي لأوراق هذه الشجرة يشبه الى حد بعيد طبيعة أهل الأرز الذين لا ينحنون بل يواجهون بجباه مرتفعة. يضاف الى هذا كله ان هذه المهرجانات تسهم في تحريك الاقتصاد وتدفع حراك الانماء والتنمية في المنطقة ليبقى اهاليها فيها، بدل النزوح عنها الى المدينة او الهجرة الى بلاد الاغتراب.
” الارزة مكرّمة ” لجنة مهرجانات الارز الدولية كرمت ” الارزة ” هذه السنة. هذا العنوان الوطني الكبيرجذب اللبنانيين خصوصا ً عندما تمكنت النائب ستريدا جعجع من جمع 12فنانا لبنانيا ًعلى خشبة مسرح المهرجان في خطوة لم يسبقها أحد عليها، ليؤدوا أوبريت تروي قصة الارزة وتاريخها الرمزي والمعنوي والايحائي والسياسي من دون ورود كلمة “الارزة” فيها. وهذا ما ميّز العمل من الناحية الابداعية والصورية شعراً. فعاش اللبنانيون أجمل ليلة رومنطقية متجذرة بلبنان التاريخ والحلم والشجر والألق والارض والنجوم.
ولاهمية الحدث ومدلولاته التاريخية والوطنية، أصدر وزير المال علي حسن خليل طابعا ً خاصا عن الارزة، ووضعه قيد التداول يوم الاول من شهر آب الموافق لعيد الجيش اللبناني. ولتكتمل احتفالية الارزة، فقد سعت النائب جعجع مع السيد محمد الحوت رئيس مجلس ادارة شركة طيران الشرق الاوسط لانارة غابة الارز الدهرية، فأخذ على عاتقه تمويل المشروع، وأضيئت الغابة ليلة الافتتاحية وقبل اطلاق المفرقعات التي أضأت جبل المكمل، وجديدها هذه السنة ان رسمت شكل الارزة مع كلمة ” Cedars of God “. ” الأرزة “، المحتفى بها في مهرجانات هذا العام، ازليتها لم تأت بهبة من الله فقط، او بمنة من الطبيعة، انما بفعل شعب الارز نفسه الذي آمن بها في قلبه، وحرسها بهدب عينه، وسورها بنبض قلبه.
” الرحباني الابن في الارز “ سنة 1964انطلقت مهرجانات الارز الدولية مع الاخوين الرحباني من خلال مسرحية ” بياع الخوانم “، وبعد ما يزيد عن الخمسين سنة، عاد وسام الابن ليحيي ليلة فنية راقية مع الفنانة هبة طوجي،التي تألقت في إستعراض “عشرة“.العمل الذي قدمته هبة طوجي، والذي يتوّج عشر سنوات من التعاون الفني بينها وبين أسامة الرحباني، والجهد المتواصل والعمل الجدي والانضباط والعلم، الذي أوصل طوجي إلى العالمية. وقدّمت طوجي عرضاً، تداخلت فيه الموسيقى والألوان والشعر والرقص والدهشة والمسرح، حيث أدّت مجموعة أغان منوعة من ألبوماتها، كذلك وجّهت تحية الى مغنيات عالميات، مثل: ماريا كاري، ويتني هيوستن وسيلين ديون.شارك في إعداد العمل الاستعراضي وتقديمه 120 فناناً وراقصاً وراقصة. لنحو ساعتين ونصف الساعة أبهرت هبة طوجي آلاف الحاضرين في أرز بشرّي، بإمكانياتها الصوتية والأدائية على المسرح، وأعاد للأرز فرادة لياليه ورِفعة أمسياته. ليلة الخامس من آب لامس صوتُ هبة السماء، وأثبتت أنّ الفنان الحقيقي والمتميّز يستطيع تقديم أنواع موسيقية غنائية عديدة ويبقى صوته شامخاً كالأرز لا تهزّه ريح أو يسكنه البرد والصقيع. تحية ومحبة وتقدير وسلام لأرزات الرب الخالدة من جبل الأرزفي بشري… وأكبر تحية الى أرزة لبنان النائب ستريدا جعجع التي كرّمت الارزة شعار العلم اللبناني وشعار وطننا، من خلال هذه الاوبريت الضخمة التي تحوّلت الى نشيد، وباتت شعارا ً تنقله شركة طيران الشرق الاوسط عبر رحلاتها اليومية. والى اللقاء في العام المقبل مع مفاجأت باتت تحضر منذ تاريخ الان.
