قلبك يصل قبلك الى بشري، حلو هذا المكان، رائع، فسيح، الريح فيه عبق حرية. انا ابنة البقاع اعشق السهل الاخضر، هنا، انا ابنة الارز أعشق وبجنون عبق ذاك المجد، تلك الشجرة العملاقة التي تقطر بخورا، ترشح قداسة، تغمر الارض بالعنفوان، هنا في الغابة بالذات يصرخ وطن “انا ارض الرب ارض الارز”…استفيقي يا بنت انتِ هنا لتكتبي عن التحضيرات لمهرجانات الارز الدولية وليس لتسردي الاشعار، إي صحيح!!
صباحكن شباب، اهلا بربّك مش انت الرفيقة فيرا؟” ابتسم بفخر، يعرف الرفاق اني مراسلة “موقع القوات اللبنانية”، يتابعوننا حرفا حرفا إسما إسما، الربّ حاضر دائما فوق، يتجوّل بين الارزات، يراقب المرسح، يدقق في التفاصيل كافة، السما هون قريبة، كتير قريبة، يا الهي مخيف هذا الجبل، ضخم، عال، عال جدا، يضفي تلك الوهرة، ذاك الوقار المخيف على المكان “هيدا ضهر القضيب وخلفو دغري القرنة السودا اعلى قمم لبنان رفيقة، ونحنا هون امنتركش المطرح حراس الجبل والجبل حامينا” يقول الشباب. نتجول في المكان، ورشة ضخمة تبدو لوهلة ان من المستحيل أن تنجز في الوقت المناسب، أرزة بيضاء ضخمة تتوسط الديكور، المقاعد الزرقاء تبدو وكأنها وضعت في قلب الجبل تماما لكنها عمليا تستريح على كفه، وانت بكفك تمد اليد عاليا علّك تلمس الجبل مباشرة، تظن ذلك، لكن الجبل بعيد بعيد قريب والارزات قريبة قريبة بعيدة. “كل شي صار تقريبا جاهز لليلة الكبيرة، مهرجان الارز قيمة وطنية كتير كبيرة، قلبي مليان فرح وعظمة من ريحة هالمطرح، تحية للنائب ستريدا جعجع لـ رجّعت العز لـ قلب الغابة ولاهل قضاء بشري ولكل لبنان” يقول شادي فياض، المسؤول في شركة Ice التي تتولى تجهيز المسرح.
مفاجآت كثيرة تنتظر الناس ليلة المهرجان الاولى والثانية، ولا اكتب هنا عن برنامج المهرجان وما شابه، اكتب عن ناس المكان، عن بشري تحديدا، أتجوّل في أحيائها، ترقص النظافة في كل مكان، هذه ارض وطأها الاحتلال السوري ذات عمر اسود ودنّست اقدامه ارض البخور كما دنّست كل لبنان، وحوّلت صباحاتها الى ليال مغمّسة بالنضال والمقاومة، هذه ارض كانت مهملة متروكة، عاشت عمرا من فضلات دولة بعدما حجب عنها الاحتلال وعملائه كل الخدمات وحوّلها الى منفى، لكن صمدت، بقيت في النضال، في صرخة الـ لا لهم ولعملائهم، اقتيد شبابها مرارا الى الاعتقال ولم تستسلم، نساؤها قبل رجالها تصدوا للوحوش، واجهوا الانظمة الامنية، رقصوا في الساحات حين حرر ابنها سمير جعجع من الاعتقال، وما اكترثت لشيء الا لكرامتها وعنفوانها المستمد من تلك الارزات الدهرية التي تزنّرها بسلاح الكرامة، حلوة بشري، جميلة مترامية تستعد بفرح كبير لاستقبال زوار المهرجان، نواب المنطقة اعادوها الى خارطة الدولة، يعيش القضاء برمته ورشة عمل لم تنته بعد ولن تنتهي قبل ان تنجز المشارع الاحلام التي تتراقص واقعا محتما في مخيلة ستريدا جعجع وايلي كيروز، “ليكي رفيقة كيفو الحكيم؟” كيفو الحكيم؟!! اليس الحكيم ابن بشري وبالتالي اليس علي انا ان اسأل عنه؟! “انتو بالموقع بتروحو كتير على معراب بتشوفوه اكتر منا ونحنا مشتاقين عليه، يقبرني ربو” دائما الرب حاضر وفي كل التفاصيل والعبارات والامكنة، هنا الارز وهنا يسرح الرب على راحته ولا من يزعجه، فوق يحب الرب الناس، يدعوهم بقوة للقائه، وللقاء اوجه كثيرة تبدا من الصلاة واحترام قدسية تلك الشجرة الدهرية وتنتهي بمهرجان اعاد المنطقة الى خارطة الفن والثقافة من غياب نصف قرن.
حلوة بشري، رائعة بناسها وحماسها وشمسها وتلك السماء القريبة القريبة، امد يدي لاتلمّسها، فينده علي صوت لا اعرف مداه ولا المصدر، المسي غصن أرز تعرفين ان الرب موجود وان لبنان دهري باق الى ابد الابدين، وبدربك تعالي ومزمزي السهر في ليالي المهرجان واشربي كأس الارض التي يسرح فيها الرب ويسكر من كأس السماء ولا يعد كؤوسه، حسبه ان هنا لبنان وهنا ارز الرب…
اترك بشري وابقى فيها، “تبقوا سلموا ع الحكيم شباب اذا شفتوه وانا كمان مشتاقة عليه”، ولم يصدقوني، يضحكون “اهلا بربك رفيقة”…
فيرا ابو منصف