وسع الطرقات، وسع الكون والفضاء، ابتسامة أهلا وسهلا… ووردة حمراء،
بعبق بخور وادي القديسين تستقبلك الجبة مع محبة وحنين، إنّه المكان إياه، يطلّ عليك ما إن تصل غابة الارز، ولا عجب إن شعرت برهبة، فالزمان له حسابه ايضاً. هنا التاريخ وهنا الجغرافيا.
كثر هم عاشقو الارز، تطرب أذناك للهجات متعددة من كل لبنان اشتقت ان تسمعها،
فتجوب عيناك في المكان فيختلط الفقير والغني، الشباب والكهلة، حتى الاولاد هم
هنا. ننتظر، نستعد لما سيحصل، انها السنة الثالثة على التوالي، تسمع من حولك: ماذا
من جديد هذه السنة؟ الكل ينتظر.
موسيقى ملوكية نقية، ويظهر في آخر المسرح الضخم نور من اضاءة صممت
ونفذت بعناية فائقة. النور يتبعه نور، انها هي، يعلو التصفيق عالياً… يا الله انها هنا، امامنا، كبيرة حراس الهيكل…
اطلالة جديدة تحمل تاريخ الفراعنة في تصميم شعرها واناقة الفينيقيين في ثوبها،
ورقي اللبنانيين في مشيتها
“ولك أهلا بربّك” وساد الصمت، فتكلمت بحنجرتها وقلبها وروحها…
فجالت عبر الزمان من الكتاب المقدس الى الاكاديين مروراً بالفراعنة والأشوريين
وصولاً الى الملك سليمان الحكيم وهيكله المقدس، كلّها محطات تعظّم الارز:
“هكذا يؤسس الارز لتاريخ لبنان، سواء بعمق روابطه بالخالق، او بكونه شكّل حلماً
لجميع الغزاة والطامعين عبر التاريخ لعظمته وصلابته وقدسيته…”.
وبكل فخر وتواضع تشكر الرعاة والفنانين المشاركين وتنهي لتقول: “كما في كل
عام، الحلم الكبير، الارزة المكرمة ستجمعنا، فكونوا على الموعد ليبقى الارز، زرع
الرب حارساً ابدياً لوطننا لبنان”.
مع صقيع المكان كان صوتها دفئاً في القلوب، واشتعل المكان بالتصفيق عندما اعلنت
عن الطابع البريدي الخاص بأوبريت الارزة ومهرجانات الارز الدولية واعلانها
كذلك إضاءة غابة الارز.
ينتقل الضوء بكبسة زر من الموقع باتجاه الغابة، قطار نور ينقل معه قلبك متلازماً
بدقة مع مهرجان العاب نارية عند وصول قطار النور الى الغابة واضاءتها.
يا الله، انت مأخوذ بكليتك بكل حواسك واحاسيسك، انها هي كبيرة حراس الهيكل…
تترك المكان بجسدها لتبقى تلك الابتسامة تطوف فوق المسرح لاكثر من ساعتين.
نزار فرنسيس وميشال فاضل وكل رفاقهم الفنانين من مطربين وموسيقيين وجوقة
يحلقون عالياً ويعودون بالزمن الى الوراء، ايام الرحابنة وزكي ناصيف وصباح
وملحم بركات وغيرهم.
“قبل الحرف قبل الصفر والرقم.
قبل الحرب قبل السلم قبل العدل قبل الظلم.
قبل الوقت قبل الزمان ومن قبل ما يكون يللي كان.
كنتي حلم للعنفوان وابتدا فيكي الحلم”.
هكذا نقلنا نزار فرنسيس الى الفن، بهذه الكلمات عبرنا الى الزمن الغابر، وبموسيقى
ميشال فاضل عدنا الى المستقبل وكانت ومضات سريعة من موسيقاه تأخذنا من هنا
الى هناك.
واستمر الحلم عبر ايليا فرنسيس، تانيا قسيس، زين العمر، جوزف عطيه، عبير
نعمه، ملحم زين، معين شريف، نانسي عجرم، رامي عياش، نجوى كرم، غسان
صليبا ووليد توفيق.
فرحنا يوم قلّ الفرح وغمرتنا السعادة على ندرتها…
وانت، انت يا سيدة المكان، يا كبيرة حراس الهيكل، ابهرتنا بما قلت وبما انجزت،
ابهرتنا بحضورك الآسر المحبب. ولنا لقاء آخر صيف 2018 ونحن سنبقى على
الموعد.
في طريق عودتي الى بيروت من الارز صادفت ملاكاً أبيض جاثياً على ركبتيه،
ولمحت الزمن يتأرجح في الغابة ويلهو مثل الاطفال فقلت للملاك:
ماذا يحصل؟
فأجابني: لربما الملكوت سيعيد صياغة الكتاب المقدس، ويضيف كلمة الأرز في كل
عمل وصفحة وجملة.
ايلي يحشوشي
النهار 2-8-2017
