النائب جعجع ممثلة فخامة الرئيس: “أبوابنا مفتوحة لتكريم كلّ مبدع ومميّز من مجتمعنا،
بمناسبة منح رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وسام الأرز الوطني من رتبة فارس للراحل الكبير الأديب والمفكر وحافظ متحف جبران وهيب كيروز تقديرًا لعطاءاته، أقام حزب القوات اللبنانية حفلاً تكريميًّا للراحل برعاية رئيس الحزب سمير جعجع وفي حضور النائب ستريدا جعجع ممثلةً رئيس الجمهورية، النائب إيلي كيروز، ممثل الوزير السابق ابراهيم الضاهر، المحامي جيمي الضاهر، قائمقام قضاء بشري ربى شفشق، مأمور النفوس في قضاء بشري جان إيليّا، المطران مارون عمار ممثلاً بالمونسنيور جو الفخري، رئيس اتحاد بلديات القضاء إيلي مخلوف، رؤساء بلديات ومخاتير القضاء، كهنة المنطقة، فعاليات بلدة بشري، منسقو القوات اللبنانية، مدراء المدارس وأعضاء المجالس البلدية ولجنة جبران الوطنية، رئيس لجنة جبران الوطنية د. طارق الشدياق وحشد من أهالي بشري.
استُهلّ الاحتفال، الذي قدّمته الإعلامية ديامان رحمة بالنشيد الوطني اللبناني، ثم عُرض فيلم وثائقي عن الأديب الراحل وأعماله وإنجازاته. بعدها ألقى رئيس لجنة جبران الوطنية د. طارق الشدياق كلمة استهلّها بشكر رئيس الجمهورية “الذي منح هذا الوسام المميّز للراحل المميّز، وهيب كيروز. والشكر الكبير، للنائب ستريدا جعجع التي تابعت أمر الوسام حتى نهاياته، والشكر أيضًا لهذا البيت الذي كان بالأمس يكرّم مبدعًا آخر في مجال العمل المسرحي، عنيت به المخرج الكبير، “ريمون جبارة”. وهو تأكيد منه، من هذا البيت، وإيمان صادق بأنّ مسيرة ترقيّ مجتمعٍ ما، تبدأ بتكريم مبدعيه. ووهيبٌ، واحد منهم، وقد غاص في بحور الفكر حتى أعماقها، وخصّ جبران بالجزء الكبير. وعندما عاد فطاف من غوصه ذاك، كان يحمل بيده كلّ فكر جبران، اختزله في كتابه الكبير “عالم جبران الفكري”، والذي قدّمه بعطاء ذاتيّ كريم إلى لجنة جبران الوطنيّة. ثم عاد وغاص مجدّدًا في عالم رسومات جبران، ليدرس الألوان، وطريقة الرسم، والرموز المخفيّة، وعاد ليحمل بيده هذه المرّة كتاب “عالم جبران الرسّام”، والذي أيضًا قدّمه للجنة مختارًا، وما كان يدري في وقتها، أنّ الكتاب سيكون الوحيد، ليس في لبنان وحسب، بل وفي كلّ العالم، الذي تجرّأ أن يبحث في رسومات جبران حتى الآن، وليكون المرجع الوحيد المختصّ”. وأضاف: “لم يكتفِ وهيب بهذا، بل نسغ من جبران أروع ما في شعره وأدبه. وكان آخر إنتاجاته مسرحيّة “جبران المجنون”. لن أكتمكم سرًّا بأنّ وهيب كان يشعر بالحزن الكبير بعد كتابة مسرحيّته تلك، ذلك أنّه كان يعلم أنّه لن يعطى له أن يراها على خشبة مسرح. وذلك لأسباب كثيرة، أهمّها الفساد الفكريّ والفنّي في هذا الزمن. ففي الفنّ، يبدو أنّ الـ “بيضاء بياض الثلج” قد رحلت، وما بقي سوى الأقزام. أنظروا الى الفنّ المتلفَز، فبين الخبر والخبر رقصة أجساد نحيلة تحار كيف تلتقط رأسها لخفّة وزنه، تقوم على إيقاع بطنٍ أملس، لا سَبَد له ولا لَبَد، إبتلع من المال الأخضر حتى التخمة، فغرغر وعرعر واشتدّ وانتصب، وساد وماد وهاج وماج، ثمّ اهتزّ ووقف يتلقّى الشكر بتصفيق حادّ من مراهق جمُدت فروة رأسه، وما تحتها، بصمغ “السبايكي”. في زمن هذا الفساد، تصبح مسرحيّته – تلك التي رسمها على إيقاع نبضات قلبِه حيث عبيط الدم يخرج الجهد من جبهتِه قطرات هي نجوم المبدع – حجّة عليه، وجبرانه المجنون أكثر جنونًا… لا لم يعد الزمن زمن وهيب. فاختار الرحيل”
أما الأستاذ باسم حرب فقال: “ويا معلمي. أنا أعلم وعلى الجميع أن يعلم أنك لم تقم بيننا وبين سبويه عشرة، ولا تركتنا نذرف الدمع على فقدان تاء التأنيث، ولا جعلتنا ننوح على مبتدأ أو خبر، أو نفرح لكان وأخواتها. بل صراخ الله الذي كان فيك ويا لطيبه أضرم النار فينا فأكتوينا وأكتوت عقولنا وقلوبنا، فترسخت على الفضائل والقيم. أنت يا حبيبي وفي كل صباح وعند صياح الديك كنت مأذنا على مسامعنا ألا قوموا، ألا تدفقوا، كالموج، كالسيل، كالإعصار، كالزلزال دكوا عروش الظالمين الغارقين في الظلمة. لا ترحموا كتبة وفريسيين. لا تهادنوا أبناء الأفاعي الكذابين المرائين. تمرّدوا، استعصوا، أزيلوا قيدًا مُدَّ إلى معاصمكم. تكونوا كما شاءكم الخالق أن تكونوا أحرارًا، أطهارًا، أنبياء أحباء. أنشروا النور أنّى توجهتم، أعطوا مما أعطيتم. لا تنطقوا إلاّ بالحقّ وبالحبّ. نحن ما زلنا هنا يا معلمي ويا مرشدي، لم نتغيّر ولن نتغيّر، لم نتبدّل ولن نتبدّل كالحقّ وكالحبّ. نشهد على هذا الزمن الغريب، كلّ شيءٍ فيه عجيب. القريب منا هو البعيد والبعيد عنا هو القريب. الهامة تغيرت، الرأس مطأطأ عند القدمين، الصدر اتجه إلى الوراء، والأكتاف سقطت عند الركبتين، والركبتان سجدتا لأمتهان الانحناء . وأقسم لك بالله العظيم بتنا لا نعرف الصدق من الرياء ويستعصي أن نعرف الذكاء من الغباء”.
الشاعر رودي رحمه كرّم المحتفى به على طريقته بقصيدة شعرية بعنوان “راهب مَلَك”، نوّه خلالها بمزايا الراحل.
وتلا بيار وهيب كيروز كلمة ذوي المكرّم، حيّا فيها مبادرة تكريم والده من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس حزب القوات سمير جعجع والنائب ستريدا جعجع. واستشهد كيروز ببعض القراءات من مؤلفات والده، معتبرًا أن “الحرية هي الطريق إلى الإبداع وأنّ لا حياة لنا في لبنان من دونها، كما أنّ ميزة هذا البلد هي في تنوّع ثقافته وليس في سياساته الباطنية”. وذكّر كيروز بـ “أن الراحل أحبّ كتاب “النبي” لجبران خليل جبران منذ طفولته لأنه كان يعتبر أنّه رسالة قد انسحبت على الكرة الأرضية كلها”، داعيًا اللبنانيّين إلى تصدير الحبّ والسلام بدل الحقد، وحثّ الشعوب على التفاهم بدل الانقسام.
وألقت النائب ستريدا جعجع كلمةً قالت فيها: “إنّ لقاء اليوم هو لتكريم رجل مميز من منطقةٍ مميزة، هو الأستاذ المرحوم وهيب كيروز، وقد سمحت لي الظروف بالتعرّف عليه والتواصل معه في آخر مراحل حياته بعدما أصابه المرض وأصبح طريح الفراش. ويمكنني القول بأنّ وهيب كيروز كان عدّة رجال في رجل: كان الأستاذ والمعلِّم والمرشد التربوي والاجتماعي،كان الحاضر أبدًا في تأسيس ودعم الجمعيات الأهلية والثقافية في بشري، كان الكاتب والمثقّف والشاعر والحالم. كان من أصحاب الفكر النهضوي والفكر المبدع والخلاق. شغفه في عالم جبران قاده ليكون حافظًا لمتحفه وإرثه الفكري، فلازمه حوالي الأربعين سنة متواصلة. كان يؤمن “أنّ جوار الأرز وضفاف وادي قاديشا موطن للإلهام”، وأنّ “البشراوي يريد أن تكون عـزّة نفسه مُصانة. وهذه العـزة يجب تقديسها، لأنّها أمّ كل الفضائل الأخرى”. وأشارت إلى أنّ “وهيب كيروز كان مثل الأوركسترا الفنية المدوزنة، عنده انسجام كلّي بين فكره وصوته وحركة يديه ورأسه ونظرته ليوصل فكرته إلى مستمعيه وقارئيه، هذا هو وهيب كيروز الذي عرفته، ونحن نفتخر به، لأن المفكرين الكبار هم الذين ينيرون التاريخ”. وأضافت “نلتقي اليوم هنا في معراب لنكرّم هذه الشخصية التي فقدناها بالجسد، لكنها حيّةٌ بتراثها الفكري والأدبي والفني الذي ستتوارثه الأجيال. ويشرّفني أن أمثّل فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان في هذا الاحتفال، لتسليم الأهل وسام الأرز الوطني من رتبة فارس، الذي منحه للمرحوم وهيب كيروز تقديرًا لعطاءاته، وأتوجّه بالشكر إلى فخامته على تجاوبه مع طلبي هذا بتكريم ابن منطقتي، وهو الذي يُقدّر الابداع والعطاء الثقافي في لبنان، ويحرص على تعزيز صورة لبنان الحضارية وعلى رعاية الإرث الثقافي وإيلائه الإهتمام اللازم”. أبوابنا ستبقى مفتوحة لتكريم كلّ مبدع ومميّز من مجتمعنا، وفي مختلف المجالات العلميّة والفكريّة والاقتصاديّة والإعلامية والفنية. وآفاق النجاح مفتوحة أمام الموهوبين والطامحين والمثابرين والجديّين، لأنّ بناء الأوطان وترقّي الشعوب وتقدّم المجتمعات يكون على أيدي هؤلاء الذين يدخلون ذاكرة التاريخ”.
وفي الختام، قلّد الرئيس سليمان ممثلاً بالنائب ستريدا جعجع الراحل الكبير بوسام الأرز الوطني من رتبة فارس.