خطفت الممثلة سلمى حايك الأبصار لدى حضورها مهرجان “كان” السينمائي، حاملة معها مشروعًا ضخمًا لتقديم عمل الأديب اللبناني جبران خليل جبران الشهير “النبي” في فيلم سينمائي بالرسوم المتحركة. وفي الوقت الذي انشغل فيه بعض الصحف في الحديث عن حضورها وأناقتها المميزة بفستانها الأحمر، انشغلت حايك بحماس كبير للترويج لمشروعها الانتاجي الضخم “النبي”، وحرصت أن تقدّم في حفلٍ خاصٍ على هامش مهرجان كان مقاطع متعددة من العمل وهو في طور الانتاج، وكلّ المشاركين في انتاجه، كما استضافت عددًا من النجوم، ومن بينهم الممثل الفرنسي الشهير جيرار ديبارديو الذي حضر ليُحيّي العمل في حضور نادر في كان هذا العام.
رفضت حايك أن تُقدّم بوصفها ممثلة مكسيكية بل قالت “أنا لبنانية أيضًا وأمثّل المرأة العربية”، ولعلّ في هذا التقديم وفي استعادة منجز جبران في هذا المشروع نوع من إعادة الاعتبار للحضور العربي في كان. جمعت حايك لانجاز “النبي” تسعة من أبرز مخرجي أفلام الرسوم المتحرّكة في العالم، ليقدم كلّ واحدٍ منهم رؤيته لجانِبٍ من كتاب النبي لجبران خليل جبران الصادر عام 1923 والذي يضم 26 قصيدة، تناولت موضوعات كالحب والزواح والعمل والفرح والحزن والحرية والألم والعقل والمتعة والخير والشر والموت… وغيرها. وقد اختارت حايك وفريق عملها بعض هذه القصائد لتجسيدها عبر الرسوم المتحركة. وقد نجحت حايك، التي عملت على هذا المشروع منذ عام 2011، في تحويل حِلمها إلى حقيقة مع فيلم بميزانية تُقدَّر بنحو 12 مليون دولار. وقد ساهمت عدّت جهات في تمويله، من بينها مؤسسة الدوحة للأفلام، مؤسسة ماي غروب لبنان وبنك أف اف أيه الخاص وشركة كود ريد برودكشن وشركات أخرى.
تقنيون وممثلون كبار
وأقنعت حايك مخرج أفلام التحريك الحاصل على الأوسكار وصاحب فيلم “الملك الأسد” “روجر اليرز” ليتولى الإشراف على المشروع وبناء الإطار السردي أو الحكاية الإطارية التي ستجمع رؤى بقية المخرجين لقصائد جبران في إطار قصة تمثل عظة معينة عن جانب من جوانب الحياة. لقد بنى أليرز حكايته الإطارية على العلاقة بين طفلة تدعى المترا (وهو اسم شخصية العرافة التي تتعاطف مع المصطفى في كتاب جبران ويحكي لها عظاته وقصائده) تتسلل إلى غرفة شاعر منعزل ومنفي يدعى مصطفى. ويتّضح من اختيار الطفلة هدف الفيلم في مخاطبة الأطفال وتقريب كتاب جبران إليهم عبر الرسوم المتحركة. وإلى جانب أليرز نجحت حايك في جمع مجموعة من أفضل فناني الرسوم المتحركة وخبرائها وأعطتهم الحرية لتقديم الشكل الفني الذي يختارونه لتجسيد قصائد النبي (يشارك فنان عربي واحد هو الإماراتي محمد سعيد حريبفي هذا الفيلم). ومن الفنانين المشاركين في المشروع تحدثت فنانة الرسوم المتحركة جوان سي كراتز، وهي تملك طريقة خاصة بها في أفلام التحريك تدعى الرسم بالطين، تقوم فيه باختيار أشكال طينية تقوم بعدها بمزجها مع الألوان ثم تحك خطوطا دقيقة فيها لتوحي بالحركة وتدفق الصور) عن أنها حاولت في المقطع الذي صنعته في الفيلم العودة إلى رسوم جبران نفسه وكذلك مناخ تأثره بالشعراء الرومانطيقيّين ولاسيما الشاعر الانجليزي وليم بليك الذي كان رسامًا أيضًا. وقام فنانا التحريك الفرنسييَن المعروفَين بـ “الأخوان بريسي” (بول وجيتان) برسم لوحات القصة التي يستند اليها تطور السرد في الفيلم story board. وأشارت حايك في تقديمها إلى أن لوحاتهما للفيلم ستجمع في معرض فني، وعرض في الأمسية مقطعًا يمثّل تسلسل هذه اللوحات مع موسيقى الموسيقار اللبناني الأصل غبريال يارد ( الحاصل على الأوسكار عن موسيقى فيلم المريض الإنجليزي، وواضع موسيقى أفلام أمثال كاميل كلوديل، مدينة الملائكة، بيتي بلو،طروادة وغيرها) الذي وضع الموسيقى التصويرية لمجمل الفيلم وكان حاضرًا في الأمسية الاحتفائية.
وقدم فنان التحريك الايرلندي توم مور مزجًا رائعًا في إخراجه للأغنية المرافقة في الفيلم بين لوحات الفنان غوستاف كليمنت والزخرفة الإسلامية ليقدّم مزيجًا تشكيليًّا مُبهرًا وأشكالاً ملوّنة انسابت بجمالية رائعة مع موسيقى يارد. وقدّم المخرج وفنان التحريك ومصمم الغرافيك الأمريكي بيل بلايمتون (وصفته حايك بأنه اسطورة في عالم الرسوم المتحركة) أسلوبًا يعتمد على الاقتصاد في الخطوط والأشكال واستلهام بعض أشكال الموروث التصويري الشرقي فضلا عن استلهام لوحات جبران نفسه. ولعل أحد أجمل مشاهد الفيلم التي شاهدناها تلك اللقطات التي حاولت أن تجسّد فكرة جبران عن الحرية حين تتحول أقفاص الطيور إلى عملاق كبير (رمز الاستبداد) يتبدّد لاحقًا إلى طيور حرة، أو مشهد الطيور المربوطة بخيوط إلى الشجرة فتقتلعها وتطير بها. وجسّد أصوات الشخصيات في الفيلم إلى جانب حايك عدد من الممثلين المعروفين بينهم فرانك لانغيلا (الباشا) وليام نيسون (مصطفى).