نائبا المنطقة وضعا يدهما على هذا الملف ، فتغيّر المشهد
ستريدا جعجع ” بعد اليوم لن يموت مريض أو مصاب من أهالينا على الطرقات “
الحرمان الذي رافق منطقة لسنوات عديدة، طال مختلف القطاعات الانمائية والحياتية، بما فيها القطاع الصحي – الاستشفائي . فصحة الناس في منطقتنا كانت متروكة للقدر، وكم من شخص توفي قبل ان يصل الى أقرب مستشفى في منطقة الكورة او في زغرتا . كل شيء كان يحتمل الانتظار والتأجيل ، الا موضوع الصحة والمستشفى. والمسؤولين السابقين لم يتحملوا عناء الاهتمام في هذا القطاع، بسبب انعدام الرؤية عندهم، لا بل كانوا يعرقـلون ويحاربون من كان يحاول العمل على فتح ثغرة في هذا الافق المسدود . فسياسة الزواريب الضيقة التي كانوا يتـّبعونها، وخلافاتهم المستمرة فيما بينهم، هي التي اوصلت المنطقة الى هذا الحالة من الحرمان والفقر والخراب والانقسامات. ولكي يكون بحثنا رصينا ً وجديا ً، لا بد من اعطاء لمحة تاريخية عن معطيات الاستشفاء في المنطقة، مقارنة مع ما وصلنا اليه اليوم .
الاباء الكرمليون اول من فتحوا صيدلية في بشري
يعود تاريخ انشاء اقدم صيدلية في منطقة بشري الى اواسط القرن السابع عشر، مع وصول الاباء الكرمليون الى بشري سنة 1632، وكانت تحت اشراف وادارة الاب الطبيب اغوسطينوس في دير مار سركيس، حيث كانوا يسكنون قبل انتقالهم الى بشري مطلع القرن العشرين . وتظهر الدراسات التاريخية، الى ان هؤلاء الاباء كانوا يساعدون أهالي بشري والمنطقة كثيرا ً ويطببوهم مجانا ً، ونجحوا في تركيب واستعمال بعض انواع ادوية العلاج من الاعشاب الموجودة في المنطقة وخصوصا ً في وادي قاديشا . مطلع القرن العشرين انتقلت الرهبانية الكرملية الى بشري، ونقلوا معهم الصيدلية وسلموا ادارتها الى الطبيب منصور شبل رحمه، وكانت تعاونه فيها إحدى راهبات الكرمل.
دور قومسيون بلدية بشري بين سنوات 1910 و1950
لعب القومسيون البلدي في بشري دورا ً مهما ً في مجال مساعدة اهالي البلدة في المجال الاستشفائي، من خلال التعاقد مع اطباء من يشري ومن خارجها لمعالجة الناس مجانا ً، وجاء في ارشيف البلدية : ” ان الطبيب منصور شبل رحمه عـّينه القومسيون لمعاينة الاهالي مجانا ً، بعد تفشي ” حمى التيفوس ” في البلدة ، وذلك سنة 1910. وسنة 1917عيـّن القومسيون رفعتلو سر طبيب القضاء الدكتور نقولا رفول طبيب صحة عامة لمعاينة المرضى مجانا ً. ونتيجة ازدياد تفشي الامراض، استحصل القومسيون على إذن من ادارة الصحة بفتح قسم من دير مار سركيس مستشفى لمعالجة الامراض المتفشية يومها، وعـّين الاخ روفائيل القبياتي مسؤولا ًعنه براتب ثلاثين قرشا ًشهريا ً. سنة 1932 تعاقد القومسيون البلدي مع الطبيب الارمني يوياجيان أرسناك. ومن بعده تعاقد مع الدكتور ايلي كاشاريان. سنة 1947، عيـّن الشيخ سعيد الضاهر مراقبا ً صحيا ً، وهذا الاخير كان يملك صيدلية في ساحة مار سابا، وكان طبيبا ً جراحا ً، يساعد الفقراء واشتهر بتركيبة دواء من الاعشاب لمعالجة ” الطفرة في الجسم والدمل “.
المستوصفات والعيادات في بشري والقضاء
في الاربعينات، كان يوجد في حصرون صيدلية لصاحبها وديع شمعون، وكان يفتحها خلال فصل الصيف فقط. كما كان هناك عيادة للدكتور انطوان الحكيم جهزها مع الوقت بوسائل للجراحة والتوليد. الدكتور جوزيف البستاني كان عنده صيدلية في حصرون، وكان طبيب عائلة يزور الناس في بيوتهم ويداويهم . كما كان يوجد عيادة لطبيب الاطفال الدكتور ميشال حنا . في طورزا كان هناك مستوصف خاص يشرف عليه الدكتور اسكندر الراعي وتديره البلدية . في حدث الجبة كان يوجد عيادة للدكتور جوزيف الخوري . في بشري عيادة الدكتور خليل جعجع طبيب ألاطفال كان يعاين فيها نهاية كل اسبوع. كما كان هناك عيادات لكل من الدكاترة ادمون سكر ويوسف طوق واميل طوق. الدكتور فهد سكر جاء الى بشري في الخمسينيات وفتح مستوصفا ً كان نصف مستشفى، يستقبل فيه مرضاه ليل نهار، وكان يجري فيه بعض العمليات البسيطة. الدكتور فهد سكر دخل اسمه في تاريخ بشري والمنطقة لناحية الخدمات الطبية التي كان يؤمنها للاهالي في ظل غياب مستشفى في المنطقة . كان يعاين لقاء أسعار رمزية ومجانية، وكان سندا ً للفقير في مرضه. لما أفتتح المستشفى الريفي في بشري في السبعينيات أصبح الدكتور سكر رئيسه، وخافه الدكتور ادمون سكر، ثم الدكتور يوسف طوق ..
مستوصف الانعاش الاجتماعي في بشري والمركز الطبي
في ايلول سنة 1984، بدأ العمل في المستوصف المجاني التابع لمركز الانعاش الاجتماعي في بشري، وضم مجموعة أطباء متخصصين، كانوا يعاينون المرضى لقاء بدلات رمزية، وكان يوزع الادوية مجانا ً على المرضى. وتزامنا ً مع هذه المرحلة، انهى مجموعة من شباب بشري اختصاصاتهم الطبية من جامعات فرنسا وبلجيكا، وهم الدكاترة يوسف طوق واميل طوق وجوزيف سعد وبول سعد. ولانهم كانوا يرغبون القيام بخطوة جديدة في بلدتهم على الصعيد الطبي نظرا ً للواقع الاستشفائي المزري فيها ، افتتحوا عيادة طبية متخصصة ضمت غرفة اشعة ومختبر للتحاليل الطبية، كما تعاقدوا مع مجموعة أطباء من خارج المنطقة كانوا يعاينون المرضى دوريا ً واسبوعيا ً. وقد اعتبرت هذه الخطوة متطورة متقدمة في بشري والمنطقة .
انطوان ملكه طوق يخرق الواقع بمشروع طموح في مارماما
كل المحاولات التي حصلت في بشري والمنطقة على صعيد تحسين الوضع الاستشفائي كانت خجولة، ودون المستوى المطلوب. فلا المستوصف الريفي في بشري وفى بالمطلوب، ولا مستشفى مار منصور في حصرون والذي كان مركزه قرب مدرسة الرهبنة اللعازارية، وكان مجهزا ً بتجهيزات حديثة ومتطورة، وتبرع ببنائه الرهبنة اللعازارية ولجنة وقف حصرون، و ترأسه الدكتور انطوان حكيم، أعطى النتائج المتوخاة، لا بل خيب آمال الكثيرين بسبب الاشكالات والمشاكل التي أثيرت حوله. رجل واحد كان صاحب مبادرة وقرار، هو السيد انطوان ملكه طوق، المسؤول عن وقف السيدة في بشري، فقد باشر ببناء مستشفى في مار ماما. يقول انطوان : ” كان همّي بناء مستشفى لبشري لتأمين حاجات الناس الطبية. ومشروعي ليس مستشفى فقط، بل مصح ّ أيضا ً، وهذا المصح يحتاج الى منطقة بعيدة عن المساكن تكون نظيفة وهادئة، لذلك اخترت منطقة مار ماما “.
انطلق في تنفيذ المشروع، فحورب على أكثر من صعيد، من الكنيسة ومن الزعامات ومن يدور في فلكهم. ويتذكر أنه ابلغ يوما ً بأن هناك مشروع لبناء مستشفى في بشري سيموله الاميركان، لذلك ، عليه التوقف عن اكمال مشروعه. فتوقف عن العمل، وانتظر لمدة سنة وأكثر، وحاول المراجعة والاستفسار عن المشروع، فلم يجد جوابا ً منطقيا ً، عندها، عاد وأكمل تنفيذه مشروعه. كان يعتمد على همّة الخيرين، لان النية كان صافية، وعملنا انساني بالدرجة الاولى، وليس له أهداف شخصية او سياسية. يقول انطوان : ” اكملت مشروعي هذا كما المشاريع الاخرى التي أنجزتها، على همّة الناس الخيرين، كانت محبتهم لعمل الخير هي التي تزيد من رغبتي في العمل. والذي كان يلفتني، أولئك الاشخاص الذين يصرون على عدم ذكر اسمهم امام أحد انهم يقدمون مساعدة معينة، كانوا يفرحون عندما كانوا يرون مشروعا ً ما يقوم في بلدتهم “.
رغم العراقيل أكمل بناء المشروع ولكن ….
من المؤسف ان لا يملك المسؤول بعد نظر في عمله، ولا يعرف كيف يخطط للمستقبل اذا كان صادقا ً في تحمّل مسؤولياته وخدمة مجتمعه والناس الذين يمثلهم. . المؤسف في الامر ان يتعامل المسؤول مع الناس وكأنهم مجرد أرقام يحتاجها فقط عند الانتخابات، أضف الى أن أضراره لا تتوقف عند هذا الحد، بل يعمل على عرقلة وافشال أي مشروع لا يكون له فيه منفعة خاصة !. هذا النمط من السياسة أثـّر على الحياة العامة في المنطقة وعلى ديناميكية المجتمع. المهم أن انطوان ملكة طوق أكمل مشروعه، وزادته العراقيل والصعوبات اصرارا ً على المضي في مهمته. وعندما نسأله كيف تجاوز هذه العراقيل، يقول : ” لو توقفت عندها لكان اجهض المشروع ونسف من أساسه، مريم العذراء، وهيالتي ساعدتني على تجاوز كل هذه العقبات لاني مؤمن بها ومتكل على عنايتها “.
النائب جعجع وعدت انطوان طوق بأن حلمه سيتحقق، والامور تسير حسب الاصول
منذ وصول ستريدا جعجع وايلي كيروز الى الندوة البرلمانية، وهـمّ الاستشفاء في منطقة بشري يرافق خطواتهما واتصالاتهما بالمسؤولين. اولى الخطوات كانت تعيين مجلس جديد للمستشفى الحكومي في بشري برئاسة الدكتور يوسف طوق، بعد مماطلة وتدخلات سياسية وعراقيل من قبل بعض من لا يزالوا يعيشون في الماضي. وجاءت الخطوة التالية بتأمين دعم لتجهيز غرفة عمليات حديثة وتأهيل المبنى الحالي. ثم كان تأمين العجز المستمر للمستشفى من خلال وزير الصحة الحالي الاستاذ علي حسن خليل. ولان المستشفى بحاجة الى مكننة حديثة، أمن نائبا المنطقة المطلوب وجهزاه بأحدث الاجهزة. ولان المبنى الحالي ضيق، جاءت باشرت النائب اتصالاتها بالمعنيين وعلى رأسهم دولة الرئيس نجيب ميقاتي، وصدر قرار من مجلس الوزراء بتأهيل طابقين في مبنى مار ماما ملحقين بالمستشفى الحكومي في بشري، ورصد لهما مبلغ 1.2 مليون دولار أميركي . عند البدء باجراء المعاملات الادارية الرسمية لاستئجار المبنى من قبل وزارة الصحة، تبين ان الامور معقدة، ولا يوجد أي مستند رسمي للمبنى ، لا بل هناك مخالفات ومتأخرات متراكمة على المبنى منذ عشرات السنين. ولكي لا تخسر المنطقة المبلغ الذي أقره مجلس الوزراء لتأهيل الطابقين، قامت النائب جعجع بمتابعة الملف شخصيا ً في الدوائر المختصة، ومع الوزراء المعنيين، وتوصلت بفضل علاقتها الشخصية مع الوزير الصفدي، الى أن يتصدار قرارا ً استثنائيا ً يقضي بحسم نسبة 50% من الغرامات المتراكمة على المبنى. وتبرعت مؤسسة جبل الارز التي ترأسها بمبلغ 50350 دولار أميركي، كمساهمة لانهاء هذا الملف، ودفعت لجنة الوقف المبلغ المتبقي، بعد اتصالات مع سيادة المطران مارون العمار. وبنتيجة الاتصال بالوزير علي حسن خليل، صدر قرار من وزارة الصحة باستئجار الطابقين في مبنى مار ماما، لقاء بدل سنوي قيمته خمسين مليون ليرة لبنانية، تعود بالنفع على لجنة الوقف.
لجنة مختصة بمباني المستشفيات تضع خطة عملانية لمبنى مار ماما
تقول النائب جعجع ” لكي لا تتكر الاخطاء، وتكون خطواتنا مدروسة كما يجب وبمحلها، ولاننا نعاني كثيرا ً لتأمين متطلبات مشروع معين للمنطقة، ونضطر لملاحقة أدق التفاصيل بالوزارات، حتى اننا نتدخل للتنسيق فيما بينها لانهاء الملف، كما حصل معنا في موضوع مبنى مار ماما، ولان مبنى مار ماما يمكن الاستفادة منه بأكثر من مشروع، قررنا التنسيق مع مختصين في هذا المجال لوضع دراسة واضحة لمرة واحدة نسير على أساسها وننفذها تباعا ً كلما تيسرت أمورنا. اتصلنا بالاستاذ سامي رزق المختص بهكذا دراسات، كذلك اتصلنا بالاستاذ أكرم كرم من قبل مجلس الانماء والاعمار، والمختص بوضع دراسات تنفيذية لمباني المستشفيات، وعقد أكثر من لقاء معهم بحضور الدكتور يوسف طوق والدكتور اميل طوق وامهندس جوزيف اسحاق، لوضع دراسة مفصلة للموضوع، وستنجز هذه الدراسة قريبا ً، لننتقل بعدها الى مرحلة جديدة انشاءالله نعلن عنها في حينها “.
لقد دخل ملف الاستشفاء في منطقة بشري مرحلة جديدة مع النائبان ستريدا جعجع وايلي كيروز، وانتهت معهما مرحلة المتاجرة والسمسرة بصحة الناس. بعد اليوم لن يموت مريض أو مصاب على الطرقات، ولن يتبهدل أهلنا ابدا ً على أبواب المستشفيات. وطالما يوجد في مجتمعنا امثال انطوان ملكة طوق، فلن تموت النخوة في نفوس من يريد عمل الخير مع أبناء منطقته او بلدته او قريته، والتاريخ خير منصف .