عـرّاب المصالحات في بشري والجوار في زمن الشدة والازمات
ولم يفرّط يوما ً بكرامة بشري وأهلها ، متشرّبا ً مواقفه من تاريخ والده
ابن بيت أعطى رجالات هندسة وطب وقانون وسياسة، والده المرحوم الخوري انطونيوس جعجع، اسمه لا يزال يتردد حتى يومنا لما له من مواقف مشرّفة لكرامة بشري. والمتتبع لسيرة أبنائه، يرى بوضوح أنهم شكلوا حالة مميزة في تاريخ بشري والوطن، وكانوا ضنينين على كرامة بلدتهم، وكل الامور الاخرى عندهم تقف عند هذا الحد. الدكتور جورج جعجع هو حامل هذا الارث الغني، وفي ذاكرته الكثير من الخفايا التي لا يمكن البوح بها اليوم. ضميره مرتاح تجاه ربه، لانه لم يقصـّر يوما ً بواجباته تجاه أهل بلدته وأهله. ورغم غدرات الزمان له، تعالى فوق آلامه وحزنه، وأبقى بيته، ملتقىً للصلح والمصالحة يوم عصفت المشاكل وسالت الدماء بين بعض عيل بلدته. في الخمسينيات تولى شقيقه المهندس نعمه رئاسة البلدية، وبعد ما يزيد عن النصف قرن، تسلـّم هو الامانة مجددا ً ، ويفتخر بانه لم يفـرّط بالمسلمات الاساسية التي إئتمن عليها، ولم يتخاذل عن الدفاع عن حقوق بلدية بشري التاريخية، ولا عن حقوق بشري في الدوائر الرسمية، ولم يمر عهده دون تحقيق بعض المشاريع المهمة التي سنذكرها في سياق حديثنا معه.
– متى دخلت فعليا ً في العمل في الشأن العام في بشري ؟
بامكاني القول أنني من البشراويين القلائل الذين لم ينقطعوا عن التواجد في بشري بصورة مستمرة، منذ صباي وأنا أعيش كل التفاصيل التي تحصل في بلدتي وعلى علاقة مباشرة باهلنا، ولم أغيّر عادي هذه حتى اليوم. لكن كنت بعيدا ً كل البعد عن العمل السياسي. الى أن كانت سنة 1972، حيث كانت ستجرى انتخابات لجنة جبران الوطنية، فطلب مني أن أترشح كعضو الى اللجنة الى جانب البروفيور اميل جعجع، الذي رشحوه ذوات بشري الى رئاستها. سبق ذلك وقوع حادث مؤسف بين أفراد من عائلة جعجع في برقا سقط خلاله قتيلين، وانعكست أجواؤه على أقاربنا في بشري، فتوترة الاجواء، فعملت مع المخلصين والخيرين على تطويق ذيوله دون أن تؤثر على ترشيحنا، وفازت لائحتنا أنا والدكتور اميل عن عائلة جعجع، ومن ثم انتخب أصبح رئيسا ً للجنة جبران الوطنية. وهكذا دخلت العمل بالشأن العام.
– هل لجنة جبران وحدها كانت كافية لانطلاقتك السياسية ؟
كلا، لا تنسى أنني ابن بيت سياسي، ولنا علاقاتنا واتصالاتنا ليس فقط على مستوى بشري والمنطقة، بل وعلى مستوى كل لبنان. عمل اللجنة ليس سياسيا ً، صحيح أن زعامات بشري سيّسوها، لكن عملها الفعلي والقانوني هو ثقافي – فكري واجتماعي. مع وقوع الحرب في لبنان، كان من واجبنا الدفاع عن أنفسنا كل بحسب موقعه، فأقمت والمهندس هنري صفير، مخيما ً لتدريب الشباب في ريفون ، والتحق به من بشري أكثر من 350 شابا ً، كما التحق العديد من الشبان من بلاد بعلبك ودير الاحمر وتنورين والعاقورة والشوف. بعدها، لما وصلت المعارك الى حدود زغرتا، بدأنا نشارك مع أهلنا هناك بالدفاع عن الجبهة، حتى لا تصل المعارك الى بشري. بعد تلك المرحلة، ومع دخول الجيش السوري الى لبنان، ومن بعدها الى منطقة بشري بدأت تقع مشاكل أمنية بين شبابنا وبينهم، فكنت اتدخل لحلها، كما وقعت مشاكل مع المردة، فكنت الوسيط في حلها مع الرئيس سليمان فرنجيه، من دون المساومة على كرامتنا ولا على عنفواننا البشراوي. ويمكنني أن أقول وأنا مرتاح الضمير، أنه كان معلوما ً عند الجميع، أن بعض القيادات السياسية حاولت توريط بشري بجعلها ضحية لحادث كبير وقع في اهدن، لكن هذا الامر لم يقنع أصحاب العلاقة هناك، (والله يسامح الذي كان السبب )، وبالفعل حيّدنا بشرين وكل حادث أو احتكاك كان يقع بين المنطقتين، كنا نعالج ذيوله أسرع من المتوقع. وبقدر ما أعطانا الله من القوة والوعي، كنا نتجنب الوقوع في المحظور، لان الامور كانت فالتة على مغاربها.
– كيف تصف علاقتك مع زعامات بشري ؟
علاقتي جيدة مع الجميع، وكانوا يترددون باستمرار الى منزلي هنا في بشري وفي الكسليك، ومرات كثيرة كانت تحصل بيننا اختلافات في الرأي حول امور تخص بشري، وانا بطبعي لا احب المناورات ولا المساومات على قضايا تعتبر من مقدسات تاريخ بشري، وهناك أمثلة عديدة لا يمكن ذكرها الان، لانها كلفت بشري الكثير من الدماء. حتى في عـز ّ المحن والمآسي، كان البعض منهم يشتري ويبيع على حساب كرامات الناس وكرامة بشري، انطلاقا ً من حساباته الشخصية والضيقة. هذا الامر كان يؤلمني كثيرا ً، وكم من مرة اعدنا مع المخلصين تصويب امور كثيرة في عز ّ المشاكل ، ووضعناها في اطارها الصحيح، لنختم الجراح نهائيا ً، بدل ترك الامور عالقة ومفصلة على قياسات وحسابات البعض .
– والعلاقة مع الدكتور سمير جعجع ؟
أكثر من جيدة، والعلاقة معه تعود الى بداية انطلاقته، وكنت على تنسيق معه في أمور كثيرة تخص ّ بشري وخارج بشري، لكن لم يحن الوقت للتحدث عنها. شهادتي فيه مجروحة، انه رجل مميز بكل ما للكلمة من معنى. دخل التاريخ من بابه العريض، كل ما نتمناه، هو أن يحفظه الله ويحميه، لان المسيحيين ولبنان بحاجة اليه.
– ما هي ظروف وصولك لى بلدية بشري ؟
سنة 2004 اجتمعت مع السيدة ستريدا في يسوع الملك بطلب منها، وكان التحضير جار ٍ للانتخابات البلدية، وبعد استعراض الاوضاع في بشري، طلبت مني مساعدتها ودعم اللائحة من خلال ترشحي على لائحة القوات، وأن أكون نائبا ً لرئيس البلدية. قلت لها الشيخ سعيد صديقي، وهو بمثابة ابني، فهل يعقل أن أكون نائبا ً له ؟ فقالت لي أعرف ذلك، ولكن للظروف أحكامها، ولنا ملء الثقة بك، ونعرف من أنت، وأعرف انك لن ترفض طلبنا، وبغض النظر عن كل الاعتبارات الاخرى، فالقضية التي نخوض غمارها متعلقة بموضوع سمير جعجع، وأنت أدرى بكل الاوضاع.
في قرارة نفسي كنت أعلم ان موضوع سمير جعجع هو فوق كل المواضيع، وكل الاعتبارات الاخرى لا توازي شيئا ً امام تضحياته وصموده في وجه لعبة سياسية وأمنية كبيرة فبركت ضده ليزيحوه عن الساحة ، كونه لم يرضخ لاوامرسلطة الوصاية، ولم يقبل ببيع مبادئه والتنكر لنضاله مقابل منصب من هنا أو من هناك. من هذا المنطلق قبلت بأن أكون في هذا الموقع، وكل الامور الاخرى أسقطتها من حساباتي الشخصية، واعتبرت أنه اذا كان في ظل هذه الظروف يجب الوقوف الى جانب من نحب ونقدر.
– ما هي أبرز الانجازات التي تمكنت من تحقيقها أثناء ترؤسك البلدية ؟
بلدية بشري فيها الكثير من المشاكل المتراكمة منذ سنين، وحلها لن يكون بطريقة سحرية. لكن هناك ملفات حساسة ودقيقة لا يمكن التغاضي عنها، أو اهمالها، والا ضاعت حقوق اهالي بشري. أهم هذه الملفات :
1- ملف المشاعات العمومية. ولمعلوماتك، المرحوم والدي رسم حدود بشري، وكان يقول لنا : ” ان حدود بشري العقارية تصل الى سكة حمص “. اجدادنا كانوا اصحاب باع كبير، وأبطال، لانهم رسموا حدود بشري باتجاه المقلبين، وهذه عظمة بشري وقوتها. لكن للاسف امتدت الايادي على المشاعات، وحصلت مؤامرة تزوير كبيرة بحقوق البشراويين. لكن المفارقة القانونية هنا، هي ان المشاعات هي مشاعات عمومية وليست بلدية ، وهذه قوتها القانونية التي لا يمكن ان يكون هناك تأثير معين بمرور الزمن، وحق البلدية مضمون باستعادة كل شبر منها مهما كانت العراقيل والتزوير والتأخير وكثرة الرشاوى. انا تخاصمت مع أصدقائي وأصحابي بسبب هذا الملف، وواجهت شخصيا ً الكثير من الضغوط ، ولم اتردد في اعادة ترتيب كل الملفات والمعلومات التي تملكها البلدية في هذا الملف، وسلمتها الى القاضي احمد الايوبي، من أجل البت بها، وانهاء هذه المأساة التي أصبح عمرها حوالي القرن ، والتي اذا استمرت كما هي، فلن يشهد الارز أية مشاريع سياحية كبرى كما نحلم جميعنا. انا قمت بواجبي تجاه هذا الامر، وعلى الخلف أن يكمل بنفس الاتجاه، حتى لا تضيع حقوق بشري .
2 – المخطط التوجيهي لمنطقة بشري. هذا المخطط هو مخطط تهجيري بامتياز، وباختصار، كلفت مجموعة من مهندسي بشري لدرس المخطط، ووضع دراسة منطقية تحفظ حقوق أهلنا في بشري. ونسقت مع الاتحاد ورؤساء البلديات في المنطقة الذين كانوا يعانون نفس معاناتنا، وقدمنا الى المجلس الاعلى للتنظيم المدني الدراسة الجديدة بانتظار بتها والموافقة عليها .اما فيما يتعلق بالمخطط التوجيهي لمنطقة الارز، فقد كانت المنطقة موضوعة تحت الدراسة منذ سنة 1976، وكان البناء فيها ممنوعا ً، فأعدنا وضع دراسة جديدة مختلفة عن تلك التي كان وضعها المهندس سوروف، آخذين بعين الاعتبار بين مصالح الجميع دون تمييز، ومراعين فيها الملكية العقارية الخاصة، وقدمناها الى التنظيم المدني، وبعد عدة اجتماعات مع المسؤولين ، أقر المشروع ، وقد علمت ان البلدية الحالية استردته من التنظيم ولم يحصل شيئا ً جديدا ًبعدها .
3 – اطلاق أكبر مشروع تحريج في لبنان في منطقة الارز، من خلال ربط أرز الرب بأرز تنورين، وذلك بالتعاون بين البلدية ومؤسسة الفردو حرب ولجنة أصدقاء غابة الارز، ووقعنا بروتوكول تعاون رسمي بحضور نائبي منطقة بشري. وبلغ عدد غرسات الارز التي غرست ما يزيد عن الاربعين ألف غرسة، هذا قبل ثلاث سنوات . والمؤسف في الموضوع، ان السيد ألفردو حرب زار بشري مؤخرا ً، وقد علمت من مصادر مقربة منه، أنه غير راض ٍ على عمل اللجنة الحالية، وقد أوقف العمل قي المشروع، وأجريت اتصالا ً به مستفسرا ً منه عن الامر ، فأكد لي قراره، وقال انه مستعد لمتابعته مجددا ً شرط ان تشكل لجنة من شخصيات بشراوية موثوق بها .
4 – المشاريع المتعلقة بالشراكة الفرنسية، عمدت من خلال اتصالاتي بالفرنسيين الى الاتفاق على عدة مشاريع مع الفرنسيين،هذه المشاريع أختصرها بمشروع عقد نهر قاديشا، ومشروع الصرف الصحي في المنطقة، والذي تبلغ تكاليفه 30 مليون دولار أميركي، وستبدأ أولى محطاته في الحريم، ومشروع منتزه طبيعي مناطقي في المنطقة، وهو مشروع شبيه بالمنتزه الطبيعي في منطقة البيرينيه في فرنسا، والذي يهدف الى تحسين المستوى المعيشي في منطقتنا من خلال تحويلها الى منتزه طبيعي، نريد تحويل المنطقة من ممر الى مقر. ولا ننسى موضوع القرنة السوداء والمواجهات التي قمنا بها حماية لاكبر خزان مائي في الشرق الاوسط
5 – أقرينا البطاقة الساحية، التي تأخر تنفيذها سنوات عديدة .
6 – أقرينا مشروع بطاقة التزلج لكل بشراوي، فبعدما كان أبناء بشري يحتكرون بطولة لبنان لمدة ثلاثة قرون ونصف، بعدها خسرنا هذا الامتياز، لذا، قررنا افساح المجال مجددا ً امام شبابنا ليعودوا الى التزلج والتدريب، فنبعدهم بذلك عن الافات المضرة بصحتهم، ونفتح امامهم أبواب المشاركة في البطولات التي تجرى سنويا ً في لبنان .
ولا ينسى الدكتور جورج موضوع دعم الجمعيات الاهلية في بشري، وموضوع اعادة تأهيل نسبة 70 % من البنى التحتية في بشري . الدكتور جورج جعجع، يعتبر انه حصل على وسام شرف حين منح فرصة تمثيل أهالي بشري في البلدية، ويشكر نائبي بشري والدكتور سمير جعجع على الثقة التي اولوه اياها في كل ما قام به، ويعود ويذكر أن كرامة بشري وأهلها يجب ان تكون فقط كل الاعتبارات الشخصية والمصالح الخاصة ، ويتمنى أن يبقى أبناء بلدته دوما ً في الطليعة كالشهب الذي ينير درب الاخرين لكي لا يضيعوا.