spot_img

ذات صلة

جمع

مهرجانات صيف قنات 2024

ككل سنة تتحدى لجنة مهرجانات قنات الأوضاع الصعبة، وتحرص...

مهرجان الطفل في بشري: منصة ترفيهية للأطفال والعائلات

يُعد مهرجان الطفل في بشري ، الذي انطلق قبل...

في عيد القديس شربل… البطريرك الراعي : ” لبنان أرض قداسة وليس أرض حروب ونزاعات وقتل”

توج البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي احتفالات...

هنري زغيب جامعاً شواهد ثمينة ممّن عاصروا جبران

مرّت عقود على افتراقهم عن جبران، لكن وفاءهم لذكراه لا يزال نابضا وراء تجاعيدهم، كأننا في كل شهادة استقاها هنري زغيب من بحثه الدؤوب عن أشخاص عاصروه ورافقوه في خلقه وحياته، نقترب منه، ندخل صومعته، من هذا الباب الذي قال عنه أندرو غريب، مترجم قصائده إلى الانكليزية، “بابه كان دوما مفتوحا لا قلبه”.

“جبران خليل جبران، شواهد الناس والأمكنة” الصادر عن “دار درغام”، حصيلة سنوات ترعرع خلالها قلم الشاعر هنري زغيب في الأمكنة التي عاش فيها جبران، واستمع إلى من حملوا إليه شهادات حيّة عنه. يقول هنري زغيب: “هذا الكتاب ليس دراسة في أدب جبران. الكتابات عنه لا تحصى، وليس استقصاء بيوغرافيا، بعدما سيرة جبران باتت منتشرة في كل لغة ودراسة”. الكتاب رحلة بدأها كاتبه قبل ربع قرن في أول رحلة له إلى نيويورك، إذ شعر في تجواله في الأمكنة التي عاش فيها جبران وعبر شوارعها، كأنه بدأ رحلة بحث ميداني عن المطارح التي رسمت خريطة حياته والناس الذين عرفوه أو عايشوا من عرفوه.

أندرو غريب

اسم ورد مرات على درب بحوث زغيب، أكان في كتاب النحات خليل جبران “خليل جبران- حياته، عالمه” أم في كتاب “قصائد نثر” الصادر عن “دار كنوف” ناشر مؤلفات جبران، وقد ورد في مقدمة برباره يونغ كلام لافت عن أندرو غريب، مترجم هذه القصائد إلى الانكليزية، وعاد إسمه في أنطولوجيا “مئة عام لشعراء عرب كتبوا وعاشوا في أميركا” لشريف موسى وغيرغوري أورفيليا، كـأوّل من ترجم مطالع جبران العربية وآخر من ترجم له على حياته.

حيث كان يمضي شيخوخته قرب ماساتشوستش، ذهب إليه زغيب برفقة الدكتور عدنان حيدر، وكانت جلسة ذكريات ثمينة أجاب عنها إبن التسعين بنقاء ووضوح نختصرها ببعض ما قاله.

كيف كانت هالة جبران قبل أن تعرفه ؟                                                                   “عظيمة. كانت شهرته واسعة نتلقف كتاباته في “مرآة الغرب” لنجيب دياب و”الفنون” لنسيب عريضة و”السائح” لعبد المسيح حداد وجريدة “النسر” لنجيب جرجي بدران. كان معروفا ومحبوبا ً جدا ً وموضع اعتزاز الجالية اللبنانية. وكانت كتاباته قوية التأثير عليّ ، فما كان مني إلاّ أن انطلقت أترجم ما يصدر له من قصائد إلى الانكليزية ، “وعظتني نفسي” و”أيها الليل” وكنت أرسلها بعد نشرها في الجريدة المحلية إلى ميخائيل نعيمة فأطلع جبران عليها. وكان جبران يجد في ترجمتي له أسلوبا قريبا من الأصل”.

كيف كان جبران في ذاكرته؟                                                                                     “كان يحب الانزواء ودائما على حزن مكتوم . كان واعيا حجمه المتصاعد إلى العالمية ما جعل لديه شعوراً بالأشاحة عن كل ما لا يخدم مسيرته إلى الشهرة”. يتذكر يوم ارتقى جبران المنصة في حفلة تكريمية أقامها له أعضاء “الرابطة القلمية” عشية عيد ميلاده، ليلقي كلمة شكر، فما كاد يتكلّم حتى تحشرج صوته وارتجفت شفتاه وانهمرت دموعه ، فغادر المنبر متأثراً.
من ذكرياته الضجة التي قامت ضد نعيمة عند إصداره كتابه عن جبران وصولا إلى ترجمة “النبي”، فيرى أن الترجمة الأشد إلتصاقا بروح جبران تبقى ترجمة يوسف الخال .

المونسنيور منصور إسطفان

في العام 1924 تم نقل منصور إسطفان إلى نيويورك خادم رعية سيدة لبنان في بروكلين. ” ذات يوم ، أثناء زيارتي لصديقي ابرهيم الحتي، التقيت برجل ربع القامة عرّفه بي ثم قال: “أقدم إليك أديبنا اللبناني جبران خليل جبران. تأملته. في يده عصا وحول رقبته شال كشمير ووجهه مائل إلى صفرة. قلت: عرفتك قبل أن ألتقيك. بقي صامتا فأكملت: أنا جمعت مقالاتك المتفرّقة وأعطيتها عنوان “البدائع والطرائف”،  وأصدرتها في كتاب أشرفت على صدوره في مصر”. عندئذ خرج من وراء صمته وشكرني ورحل. رافقته بعيني ، وقلت “هذا الرجل لن يعيش طويلا. هو ناحل أكثر من الطبيعة”. أخبروني في المكتب عن شهرته في نيويورك ، خصوصا بعد صدور “النبي”. وقالوا إنه لا يزور أحدا. يعيش منعزلا في صومعته. في العام 1927 هاتفني جبران يسألني عن نسخة سريانية للكتاب المقدس ، كنت أخبرته أنها عندي . عاد فهاتفني ليذكـّرني بنسخة الكتاب المقدس ورجاؤه ألا يكون أزعجني . لكني لم أجدها. علمت من أحد أبناء الطائفة في رعيتي أنه يعد ّ كتابا عن المسيح”.

بطرس يوسف جبران

ما القرابة بينك وبينه؟                                                                                            “أبوه خليل جبران هو ابن عم أبي يوسف جبران. هو إشبيني في عرسي. كان يأتي أحيانا إلى بوسطن لزيارة أخته مريانا ويعود إلى شغله في نيويورك. الصورة عنه صورة رجل حزين كأن به ألما مخيفا. يحب أن يتمشى برفقة أحد ولو لم يكلـّمه. أرافقه أحيانا ولا يخاطبني. يمشي ويفكـّر. إذا سألناه عن نتاجه كان ينزعج . لم يكن يحب أن يقرأ كتاباته لناس مثـلنا دون مستواه الفكري”.

يجول الكاتب في قسم شواهد الأمكنة على بشري وواشنطن ، يقتفي آثار جبران وميريلاند وفيلادلفيا وتلك الصرخة  الأميركية “يا لجنة جبران لا توقفي “نبي” جبران .


في الفصل الأخير “لا مكان لجبران في دولة جبران” يكتب هنري زغيب كمن يكتب شهادة على قبر: “كأنه يوم مات لم يمت ليموت بل ليولد كل يوم في بلاد جديدة ، في لغة جديدة ، فيبقى حيا. فماذا فعلت له دولة وطنه كي تعرفه الأجيال الجديدة في وطنه؟”.

spot_imgspot_img