spot_img

ذات صلة

جمع

قرار جديد من مجلس شورى الدولة لصالح بلدية بشري.

صدر عن بلدية بشري البيان التالي : بعد أن تقدمنا...

حملة فحص اسنان مجانية لتلاميذ المدارس الرسمية

تحت عنوان "صحتك خط أحمر"، وضمن الندوات الطبية التي...

شكر وتقدير الى العاملين في مركز جرف الثلوج في الأرز

التقت النائب ستريدا جعجع في معراب رئيس مركز جرف...

” صحتك خط أحمر “

القوات اللبنانية مركز بشري وبالتعاون مع مستشفى بشري الحكومي...

لماذا تناضلون ؟

أمامكم ، يا مناضلي القوات اللبنانية الأبطال ، أقف وانحني باعجاب واجلال واحترام . أما الذين استشهدوا في فترة الحرب فستحفر أسماؤهم بأحرف من نور في تاريخ لبنان وفي قلب كل لبناني . ذلك لأن قضية الحرية والانسان التي استشهدوا من أجلها قد تكون أقدس قضية في العالم . ولأننا كلنا مائتون ، فمن يمت في سبيل هذه القضية خير ممّن يبقى حيا” بانتظار الموت .

لقد صنعتم  التاريخ ، ايها المناضلون ، كما لم يصنعه أحد في لبنان منذ أجيال وقرون . انّ صانعي التاريخ في التاريخ قليلون ، وما صنعتموه أنتم من بطولات وملاحم سيذكره التاريخ لكم ولقادتكم ، السياسيين والعسكريين .

ومع أنكم أنتم ، يوم كنتم في ساحات القتال ، في طليعة المعركة ، فكلّنا كنا في هذه الحرب محاربين ، كلّ في اطار اختصاصه وكفايته وقدرته .

لماذا حاربنا سابقا” ولماذا نناضل اليوم ؟

أهم شيئ اطلاقا” في أي نضال أن يعي الشعب وقادته ومحاربوه وعيا” تاما” ، ويتأكدوا في غير وهم ، لماذا يناضلون ، وأن يحفظوا  هذين الوعي والتأكد ويستعيدوهما عشر مرات كل يوم .

بالطبع ، حاربنا أولا” ، لأن الحرب فرضت علينا . فمن سمع أو قرأ في التاريخ كله ، منذ آدم حتى اليوم ، انّ لبنان اعتدى على أحد ، أو هاجما ً أحد ، أو تآمر على أحد . نحن الذين اعتدي علينا ، نحن الذين هوجمنا ، نحن الذين تآمر غيرنا علينا لتغيير قيمنا أو افنائها . لذلك حاربنا دفاعا” عن النفس ، لأنّ كل شيئ يدافع عن نفسه بوسائله الخاصة ، وحتى الصخرة تدافع عن نفسها بصلابتها وصمودها ، فكم بالحرّي الانسان .

بالطبع ، حاربنا ثانيا” ، لأنّ الدولة اللبنانية انهارت بكامل أجهزتها ، فهبّ الشعب اللبناني الأعزل بشتى وسائله للدفاع عن الدولة . هذه الهبّة الشعبية العفوية البطولية من أروع ما حدث ، ليس في تاريخ لبنان فحسب ، بل في تاريخ أيّ شعب .

بالطبع ، حاربنا ثالثا” ، لأن المسألة كانت ، ليس فقط من يحكم لبنان ، بل من يملك لبنان ، اللبنانيون أم غير اللبنانيين . المسألة ، اذن ، مسألة احتلال أرض وبيوت ومرافق .

بالطبع ، حاربنا رابعا” ، لأن عشرات التيارات والعوامل والمصالح هبّت علينا من رياح الأرض الأربع ، واستغلت ساحتنا السائبة ، إما للاستفادة ذاتيا” ما أمكن ، أو لتسديد حساباتها بعضها مع بعض .هذا قدرنا الأبدي المأساوي ، في لبنان وفي الشرق الأدنى . حاربنا لأنّ الشرق الأدنى وسط العالم ولأننا نحن قلب هذا الوسط – قلبه جغرافيا” وكيانيا” . ففي القلب تتراكم الأوجاع والعلل . والذي مكنّه الله في التاريخ من التعالي فوق هذا الصخب والصمود في وجهه والتغلب عليه ، أعطى الوجود البشري ما لم يعطه أحد غيره. هذا هو سرّ النبوة والأنبياء .

بالطبع ، حاربنا خامسا” ، لأننا أحد الشعوب التي تناضل أولا” من أجل مجرّد البقاء ، وثانيا” بقصد تعيين مركزها وفعلها ونوع عطائها في النظام الكلي الذي يتحتم تاريخيا” ان ينجلي يوما” . والأمر المهم الحاسم ان نعي تماما” ، نحن اللبنانيين ، مركزنا ونوع عطائنا المميزين ، وان نكونهما بالفعل ، حين تتمخض الأحداث نهائيا” عن هذا النظام .

بالطبع ، حاربنا سادسا” ، كي نسالم . هدف الحرب الأخير دائما” السلم : السلم السليم ، السلم الثابت ، السلم الصحيح . هذا السلم الآتي بعد الحرب يفترض أن يكون سلما” بيننا وبين أنفسنا ، سلما” بيننا وبين الآخرين ، وسلما” بيننا وبين العالم .

لقد اكتشفنا انّ بنياننا السياسي والمجتمعي في الفترة السابقة انطوى على كثير من الفساد والزيف ، ولم يعد بامكاننا ان نتصور انّ الجيل الجديد ، الذي حارب وناضل وضحّى وبعضه مات ، سيقبل بالعودة بعد المحنة الى ما كنا عليه قبلها، من بطر وأنانية وقصر نظر ولا مبالاة ولا مسؤولية .

فوق كل هذا ، نناضل أيضا” من أجل شيئ أثمن وأقدس وأعمق . أثمن حتى من البقاء ، أثمن حتى من الدفاع عن النفس ، أثمن حتى من حقنا الطبيعي ، أثمن حتى من السلم .

نناضل لأننا نعرف كلنا بشكل أو بآخر أنّ لبنان كنز لا يثمّن، ولا يعوّض اذا زال . لبنان وديعة عهدت الينا قبل الأزل ، وويل لنا ان نحن فرّطنا بها لأيّ سبب ومن أجل أية قضية .

هنا الحرية الشخصية الحقيقية ، هنا احترام الانسان في كرامته كانسان ، هنا الفرح الكياني العميق ، هنا إمكان استشفاف الأفق البعيد ، هنا إمكان التطلع الى الفوق الحقيقي ، الى الفوق الذي هو فوق كل فوق .

هنا إمكان النظر المسؤول في كل شيئ  ، من الله الى أبسط شيئ ، الى لا شيئ . هنا إمكان معرفة الحقيقة الكاملة . هنا لا حدّ للنشدان والوجدان الاّ حدّ الحقيقة فقط . هنا إمكان التشكيك في كل شيئ ، إمكان نقد كلّ شيئ .

هنا إمكان التعمق المسؤول المنضبط في التراث العربي والاسلامي أكثر منه في أيّ بلد آخر . هنا إمكان التعمق المسؤول المنضبط في التراث الغربي والمسيحي كإمكانه في أيّ بلد آخر .

هنا يشعر المسيحي ، أو يجب ان يكون في وضع يمكنه من ان يشعر ، الآن والى الأبد ، أنّه حرّ كريم مطمئن الى حريته وكرامته ، كفرد وككنيسة ، تماما” كما يشعر المسيحي في الغرب . هنا لا يتمنّى المسيحي لنفسه ما لا يتمناه ويصرّ عليه لأخيه المسلم ، لكنه لا يقبل أن يكون ، لا بالنظر ولا بالفعل ، دون أخيه المسلم . هنا لا نقبل ان يقال ، لا الآن ولا بعد ألف سنة ، انّ المسيحي أو المسلم ، هو ، في ايّ بلد آخر في العالم ، حرّ كريم مطمئن الى حريته وكرامته أكثر منه في لبنان .

هنا المجتمع بأعرافه ومؤسساته فوق الحكومة ، بينما الحكومة في الشرق كله تقريبا” هي ينبوع كل شيئ ، وهي التي تتحكم بالمجتمع وتستغلّ أعرافه ومؤسساته .

هذه القيم جميعها ، انما هي قيم مجسدة بالفعل في لبنان ، أو هي قيم إمكان تجسيدها بالفعل في لبنان أكثر منه في أي بلد آخر.

المسألة اليوم هي : هل سيذوب هذا اللبنان ويمتصّ ، ام هل سيبقى ويتألّق . فإما ان نحافظ على هذه الوديعة الغالية بكرامة ، وإما ان نموت في سبيل الدفاع عنها بكرامة .

هذه الوديعة كنّاها بالأمس ، برغم معاصينا وعدم استحقاقنا ، وسنكونها في الغد بكل تأكيد . بل سنكونها بأشدّ مما كنّاها ، وأعمق وأسلم ، لأنّ هول خسرانها ، قد أطلّ شبحه علينا في هذه المحنة بشكل رهيب . انّ هذا الشبح المرعب لا نريده ان يصبح واقعا” أليما” في لبنان ، ولا ان يسدل ستارا” حديديا” على الفكر والحياة .

ايها المناضلون الأبطال

انكم انتم بناة هذا اللبنان وحماته . انكم انتم ورثته وأصحابه . أنكم أنتم المسؤولون عنه أمام الله والتاريخ .كونوا خليقين به. تأكدوا من قيمه وميزاته . لذلك أحبوا هذه الميزات . كونوها . أنذروا حياتكم لها . وبجهدكم سيبقى هذا اللبنان ويتأصل لأن ما قاله أحدهم هو صرخة الحّق بعينه :

سوف نبقى ، يشاء أم لا يشاء الغير                     فاصمد ، لبنان ، ما  بك  وهن

سوف نبقى ، لا بدّ في الأرض من حق                   وما من حق  ولم نبق  نحن

                                                                                        شارل مالك

                                                                                                 بتصرّف –  شارل كيروز

spot_imgspot_img